به أنفسهم لو كانوا يعلمون) (1) بل تنزيل وجود الشيء منزلة عدمه كثير، منه قوله تعالى (ما رميت إذ رميت) (2).
ومنها: جعل غير السائل كالسائل إذا قدم على غير السائل ما يشير بالخبر فينظر غير السائل إلى الخبر نظر الطالب المتردد نحو (ولا تخاطبني في الذين ظلموا) (3) أي لا تدعني يا نوح في شأن قومك واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك.
فهذا كلام يشير بالخبر تلويحا ما ويشعر بانهم قد حق عليهم العذاب فصار المقام مقام أن يتردد المخاطب في هل صاروا محكوما عليهم بالإغراق أم لا؟ فقيل:
(أنهم مغرقون) (4) موكدا أي محكوما عليهم بالإغراق.
ومنها: جعل غير المنكر كالمنكر إذا ظهر على غير المنكر شيء من أمارات الإنكار نحو:
جاء شقيق عارضا رمحه * إن بني عمك فيهم رماح " شقيق " اسم رجل، " عارضا رمحه " أي واضعا رمحه على العرض فهو لا ينكر أن في بني عمه رماحا، لكن مجيئه واضعا الرمح على العرض من غير التفات وتهيؤ أمارة انه يعتقد أن لا رمح فيهم بل كلهم عزل لا سلاح معهم، فنزل منزلة المنكر وخوطب خطاب التفات بقوله: " إن بني عمك فيهم رماح " مؤكدا ب " إن ".
ومنها: جعل المنكر كغير المنكر إذا كان مع المنكر شيء من الدلائل والشواهد، إن تأمله المنكر ارتدع عن انكاره كما تقول لمنكر الإسلام " الإسلام حق " من غير تأكيد لأن مع ذلك المنكر دلائل دالة على حقية الإسلام.
ومثل ما ذكرنا في الإثبات كلها اعتبارات النفي من التجريد عن المؤكدات في الابتدائي، وتقويته بمؤكد استحسانا في الطلبي، ووجوب التأكيد بحسب الإنكار في الإنكاري. تقول لخالي الذهن " ما زيد قائما " وللطالب " ما زيد بقائم " وللمنكر " والله ما زيد بقائم " وقس على هذا.