فمقام كل من التنكير والإطلاق والتقديم والذكر يباين مقام خلاف كل منها (1)، ومقام الوصل يباين مقام الفصل، ومقام الإيجاز يباين مقام الإطناب والمساواة. ولكل كلمة مع كلمة أخرى مصاحبة لها مقام ليس لتلك الكلمة مع ما يشارك تلك المصاحبة في أصل المعنى، مثلا الفعل الذي قصد اقترانه بالشرط له مع " إن " مقام ليس له مع " إذا " وكذا لكل من أدوات الشرط مع الماضي مقام ليس له مع المضارع وعلى هذا القياس.
وارتفاع شأن الكلام الفصيح في الحسن والقبول بمطابقته لاعتبار المناسب وانحطاطه بعدم مطابقته لاعتبار المناسب. والمراد باعتبار المناسب الأمر الذي اعتبره المتكلم مناسبا بحسب السليقة أو بحسب تتبع تراكيب البلغاء.
الطرفان لبلاغة الكلام ولبلاغة الكلام طرفان:
أحدهما " أعلى وما يقرب منه " وكلاهما حد الإعجاز، وهو أن يرتقى الكلام في بلاغته إلى أن يخرج عن طوق البشر ويعجزهم عن معارضته.
ثانيهما " أسفل " وهو ما لو غير الكلام عنه إلى ما دونه التحق الكلام عند البلغاء بأصوات الحيوانات التي تصدر عن محالها بحسب ما يتفق من غير اعتبار اللطائف والخواص الزائدة على أصل المراد.
وبينهما مراتب كثيرة بعضها أعلى من بعض بحسب تفاوت المقامات ورعاية الاعتبارات والبعد من أسباب الإخلال بالفصاحة.
ويتبع بلاغة الكلام وجوها أخر سوى المطابقة والفصاحة، تورث الكلام حسنا، وهذه الوجوه تسمى ب " المحسنات البديعية " ويتشكل منها الفن الثالث " علم البديع ".