ووجه حسن الالتفات أن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب كان أحسن تطرية لنشاط السامع وكان أكثر إيقاظا للإصغاء إليه. وقد يختص مواقعه بلطائف كما في سورة الفاتحة، فإن العبد إذا ذكر الحقيق بالحمد عن قلب حاضر يجد من نفسه محركا للإقبال عليه، وكلما أجرى عليه صفة من تلك الصفات العظام قوى ذلك المحرك إلى أن يؤول الأمر إلى خاتمتها المفيدة انه مالك الأمر كله في يوم الجزاء، فحينئذ يوجب الإقبال عليه والخطاب بتخصيصه بغاية الخضوع والاستعانة في المهمات. وعموم المهمات مستفاد من حذف مفعول " نستعين "، والتخصيص من تقديم المفعول. فاللطيفة المختص بها موقع هذا الالتفاف هي أن فيه تنبيها على أن العبد إذا أخذ في القراءة يجب أن تكون قراءته على وجه يجد من نفسه ذلك المحرك.
2 - أن يتلقى المتكلم المخاطب كلاما بغير ما يترقب بحمل المتكلم الكلام الصادر عن المخاطب على خلاف مراده تنبيها على أن هذا الغير هو الأولى بالقصد لا ما قصد المخاطب من ذاك الكلام كقول " ابن القبعثري " (1) للحجاج.
" مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب " إذ قال الحجاج له متوعدا: " لأحملنك على الأدهم ". فأبرز وعيد الحجاج في معرض الوعد وتلقاه بغير ما يترقب بأن حمل " الأدهم " في كلامه على الفرس الأدهم أي ما غلب سواده حتى ذهب البياض الذي فيه وضم إليه " الأشهب " أي ما غلب بياضه حتى ذهب سواده ومراد الحجاج انما هو القيد، فنبه ابن القبعثري على أن الحمل على الفرس الأدهم هو الأولى بأن يقصده الأمير.
3 - أن يتلقى المتكلم السائل جوابا بغير ما يتطلب بتنزيل سؤاله منزلة غير هذا السؤال، تنبيها للسائل على أن ذلك الغير هو الأولى بحاله أو المهم له (2) كقوله