من جعل الميسرة غاية هو كون اليسار شرطا لجواز المطالبة فيتوقف ثبوته على تحققه والأصل عدمه (لأنا نقول): جعل اليسر غاية إنما هو لبيان انتهاء زمان الانظار بانتفاء شرطه، وهو الاعسار، لا لكونه شرطا في تركه المرادف للمطالبة، فهو كدخول الليل المجعول: غاية للصوم الواجب في النهار المنتفي هو بانتفاء زمانه المنكشف بدخول الليل. وكذا الحكم المعلق على السكون مثلا المنتفي بالحركة، فإنه لانتفاء شرطه وهو السكون لا لخصوصية في الحركة من حيث هي حركة أوجبت انتفاء الحكم أو ثبوت ضده. فاتضح الجواب عما توهم من دوران الأمر، بين كون الاعسار، شرطا للأنظار كما يستفاد من منطوق الآية أو كون اليسار شرطا للمطالبة كما يستفاد من مفهومها الثابتة حجيته.
وهذا أقصى ما يمكن أن يستدل به على عدم قبول قوله إلا بالبينة كما عن بعض إلا أن الأقوى ما عليه المشهور من قبول قوله بيمينه لكونه منكرا لوجود ما يتمكن منه من الوفاء، وإن كان الاعسار المفسر بالضيق والشدة أمرا وجوديا بعد أن كان مناط صدقه إنما هو بفصله العدمي.
توضيح ذلك: إن العسر واليسر المفسرين بالضيق والسعة، وإن كانا أمرين وجوديين، إلا أنهما يدوران مدار فقد المال ووجوده، وامتياز العسر عن ضده إنما هو بفصله العدمي من فقد المال أصلا أو فقد مقدار ما به يتحقق اليسر، ضرورة أن من عنده مال لا يزيد على مؤنته الشرعية وضرورة معيشته هو معسر شرعا، ومناط صدقه عليه إنما هو فقدان ما زاد عليه لا وجدان ما نقص عنه، لاشتراكهما في وجدان ذلك القدر، وإنما الامتياز بفقد ما زاد عليه ووجدانه، فالاعسار، وإن كان وجوديا، إلا أن امتيازه عن ضده بفصله العدمي المأخوذ في صدقه، ولم يكن ملحوظا في صدق الميسرة إلا كونه واجدا للقدر الموجب لصدقه من غير ملاحظة أمر عدمي