في عزلة عن تيارات المعرفة التي كانت تتحرك في بقية الحواضر الإسلامية، كالكوفة والشام وغيرهما من النقاط المركزية للمجتمع الإسلامي، فلماذا نفترض أن عدم خروج الإمام من المدينة مانعا من تتلمذ جابر عليه، وكونه مصدرا لمعلوماته في هذا العلم.
أما نحن فنفترض أن مصدر علم الإمام ليس هو الآخرون بل هي إشراقة العلم الملهم التي استمدها الأئمة من الوحي الإلهي بواسطة جدهم رسول العلم والهداية، بحكم أنهم أمناؤه على الرسالة وخلفاؤه من بعده الذين قرن ولايتهم بولاية الكتاب العزيز.
ولا مجال بعد هذا للتوقف عند تلك التشكيكات التي لا نشك أن الباعث إليها سوى إرادة التشكيك التي تحاول خلق المبررات له - وإن كان ذلك سوف لا يروق لأولئك المقلدة الذين يرون في المستشرقين المثل الأعلى في البحث العلمي والموضوعي - دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتدقيق في الدوافع غير الموضوعية التي تتألف منها خلفيات بحوثهم وتحقيقاتهم.
وعندما نخلص من أجواء التشكيك في صحة نسبة تلك الرسائل والمؤلفات لمبدعها جابر بن حيان يمكننا أن نستظهر من خلال كلمات جابر في رسائله أن ملهم علم الكيمياء هو أستاذه العظيم الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام).
أما إن محتوى تلك المؤلفات والرسائل هو أفكار ونظريات كان يمليها الإمام على جابر فيستقيها هو ثم يعرضها على الإمام بعد ذلك، أو إنها ثمرة جهوده وعمله شخصيا، يعرضها على الإمام ليحدد له ما فيها من نقاط الضعف، فلا يكون للإمام دور سوى التوجيه أو النقد أو القبول أو الرفض، كما توحيه كلمات جابر في رسائله، حيث نرى الإمام يطلب منه أن يعتمد في أسلوبه سهولة العرض، ويبتعد ما وسعه