[في المقدمات العقلية والعادية والشرعية] ثم إنهم قسموا المقدمة أيضا إلى عقلية وعادية وشرعية، ومرادهم بالشرعية ما يكون جاعلها الشارع، بمعنى أنه لا يتوقف عليها الواجب عقلا ولا عادة.
وبعبارة أخرى: أنه لا ربط ولا ملازمة بينها وبين ذيها بالنظر إلى العقل والعادة إلا أن الشارع قد جعل الملازمة والربط بينهما، لكن على هذا لا يحسن تقابلها بالعقلية والعادية كما لا يخفى، إذ قضية ذلك أن يكون التقسيم باعتبار جعل التوقف، ولا ريب أن العقل والعادة ليس شيء منهما جاعلا للتوقف.
أقول: هذا مضافا إلى عدم استقامة الكلام في الشرعية أيضا، لما حققنا في محله: أن الأحكام الوضعية مما لا يقبل الجعل، بل إنما هي أمور واقعية قد كشف عنها المطلع عليها، فمرجع اشتراط الصلاة بالطهارة إلى أن الشارع قد كشف عن توقف وجود الصلاة بحسب الواقع على الطهارة.
لا الجعل، فالشرعية ما يكون الحاكم بمقدمته الشارع، والعقلية ما يكون الحاكم فيها العقل، وكذلك العادية ما يكون الحاكم فيها العادة.
العادية ما يكون الحاكم فيها العادة.
قلنا: فلا يصح مقابلة العقلية للشرعية، إذ حينئذ تكون الثانية قسما من الأولى.
بيان ذلك: أن المقدمات الشرعية لا تكون مقدمات للواجبات المتوقفة عليها إلا إذا كان الشارع قد اعتبر تلك الواجبات على وجه لا تحصل هي على ذلك الوجه إلا بهاتيك المقدمات، وإلا فلا تكون مقدمات، ولا ريب أن العقل مع ذلك الاعتبار قاض بالتوقف والمقدمية.