بأن الذي يقضي به العقل بعد امتثال الأمر على الوجه المذكور إنما هو امتناع التعبد بمتعلقه من جهته ثانيا بحيث يلزم به ثانيا، ويعاقب على تركه من جهته بأن لا يكون المأتي به أولا صحيحا من المكلف ومسقطا لذلك الأمر على تقدير اكتفائه به وعدم تعقبه بفعل آخر، فالقاعدة المستفادة منه إنما هي هذه. وأما التعبد بمتعلقه ثانيا من جهته على وجه يصح منه المأتي به أولا على تقدير الاكتفاء به، ويخرج به عن عهدة ذلك الأمر وعن تبعته مع بقاء ذمته مشغولة بالأمر الثاني، فلا يقضي العقل بامتناعه قطعا، فيمكن حمل تلك الأخبار على التعبد ثانيا على هذا الوجه، فإن هذا أيضا إعادة حقيقة، فلا ينافي ظاهر الإعادة، بل يتعين حملها عليه بعد انحصار محاملها فيه، وبطلان المصير إلى المجاز بعد التمكن من الحمل على الحقيقة، فترتفع المنافاة بينها وبين القاعدة المذكورة.
وتوضيح ذلك: أن ارتفاع الأمر بعد الإتيان بمتعلقه: تارة بارتفاع صفة الحتم والإلزام المستتبع لاستحقاق العقاب على الترك فقط مع بقاء آثاره ولوازمه التي منها محبوبية متعلقه عند الآمر في جميع أجزاء الوقت المضروب له بجميع أفراده، وذلك فيما إذا كان هي الطبيعة المطلقة من جميع تلك الجهات.
وأخرى بارتفاع تلك الآثار - أيضا - وذلك فيما إذا كان متعلقه مقيدا بفرد خاص، أو بإتيانه مرة، أو في زمان خاص، فإنه بعد إتيان المأمور بذلك المأمور به على ذلك الوجه لا تبقى محبوبية له فيما بعد أصلا.
ولا يخفى أن قضية قاعدة الإجزاء فيما إذا كان المأمور به هي الطبيعة المطلقة من تلك الجهات إنما هي ارتفاعه على الوجه الأول فحسب، فعلى هذا فالفعل باق بعد ارتفاعه هكذا على صفة المحبوبية المكشوف عنها به، فإن لازم تعلق الطلب بنفس الطبيعة المطلقة - الصادقة على جميع أفرادها على نحو سواء، المتساوية نسبتها إلى جميع أجزاء الوقت المضروب لها - محبوبيتها، للأمر بجميع أفرادها الواقعة في أي جزء من أجزاء ذلك الوقت، واتصاف كل فرد منها مطلقا