ثم إنه هل يمكن اجتماع جهتي الإرشاد والتكليف في طلب واحد، أو لا؟ الحق التفصيل: بأنه إن كان متعلق ذلك الطلب أمرا واحدا يمتنع () الاجتماع لأدائه إلى التناقض في نفس الآمر، فإن حيثية الإرشاد - كما عرفت - إنما هي أن لا يدخل الآمر نفسه في ذلك الطلب، ولا يكون هو باقتضائه وميله، وحيثية التكليف إنما هي أن يدخل نفسه فيه، ويطلب من اقتضاء نفسه، فلا يعقل أن يكون طالبا لشيء واحد من هاتين الجهتين المتناقضتين، وإن كان أمورا متعددة بحيث تعلق بكل منها على سبيل الاستقلال، كما إذا تعلق بعام، فيجوز الاجتماع حينئذ، لأن هذا الطلب الواحد إنما ينحل حينئذ إلى طلبات متعددة، كل واحد منها متعلق بشيء من حيثية، لأنه حينئذ أوجد طلبات متعددة بالصيغة بإطلاق واحد، فهي موجودات بوجود واحد.
ثم إنه بعد ما بنينا على اتحاد حقيقة الإرشاد مع الوجوب والندب، وأنها ليس إلا الطلب، فهل الصيغة إذا أطلقت مجردة عن القرينة ظاهرة في القدر المشترك بينها - وهو مطلق الطلب - أو في الإرشاد، أو في غير الإرشاد، أو مجملة؟ الحق هو الثالث، لكن هذا الظهور ليس مستندا إلى نفس اللفظ، فإنه موضوع لمطلق الطلب، ويكون إطلاق اللفظ في كل من الإرشاد وغيره حقيقة لذلك، بل مستند إلى حال الطالب، فإن الظاهر من حاله أنه إنما يطلب من اقتضاء نفسه، وهذا الظهور ليس مستنده الغلبة، لأنا لو فرضنا انه لم يخلق بعد إلا واحد - ولم يطلب هذا بعد، فأمر حينئذ بشيء وكان هذا الطلب أول طلب صادر منه - يظهر من حاله ذلك، نعم الغلبة أيضا موجودة فهي مؤكدة للظهور