وأما المقدمة العلمية فقد يقال بخروجها عن محل الخلاف معللا بأن النزاع في وجوب المقدمة إنما هو في وجوبها الشرعي، لا الأعم منه والعقلي، إذ الوجوب العقلي مفروغ عنه في مقدمات الواجبات الشرعية كيف؟ وإنكاره راجع إلى نفي مقدميتها، إذ لا معنى للوجوب العقلي إلا للزوم الإتيان بالمقدمة في تحصيل ذيها وكونها لا بد منها عند العقل، وليس هذا إلا معنى المقدمة، وبعد فرض شيء مقدمة وتوقف ذلك الشيء عليها لا يعقل النزاع فيها من تلك الجهة لأدائه إلى التناقض.
ومن الواضح أنه لا يعقل الوجوب الشرعي في المقدمة العلمية، ضرورة أن وجوب كل مقدمة إنما يتبع وجوب ذيها في الوجود والكيفية، ومن المعلوم عدم وجوب تحصيل العلم بالمكلف به شرعا، وإنما هو بحكم العقل والبراءة من باب الإرشاد، نظرا إلى لزوم تحصيل الأمن من تبعة العقاب بعد العلم باشتغال الذمة بتكليف من المولى.
وأخبار الاحتياط أيضا واردة على طبق حكم العقل، فإذا لم يكن لذي المقدمة - وهو تحصيل العلم - وجوب شرعا فلا يعقل كون مقدمته واجبة شرعا، فلا يعقل النزاع فيها من تلك الجهة فهي على وجوبها العقلي الذي لا نزاع فيه مطلقا حتى في مقدمات الواجبات الشرعية.
فحاصل الكلام بالأخرة مرجعه إلى دعوى اختصاص محل النزاع بمقدمات الواجبات الشرعية وبوجوبها الشرعي، ومقتضى ذلك خروج المقدمة العلمية عن موضوع محل البحث وعدم كونها من مصاديقه.
اللهم إلا أن يلتزم بأحد الأمرين:
أحدهما - دعوى وجوب تحصيل العلم الذي هو ذو المقدمة شرعا، نظرا إلى أخبار الاحتياط، أو إلى خصوص ما ورد في مطاوي أخبار الاستصحاب من الأمر بتحصيل اليقين، بأن يدعى استفادة الوجوب شرعا من أحدهما أو كليهما