هذا العموم فهو كلام آخر لا مدخل له فيما ذكرته من المناقشة المقتضية لرميها بالإجمال المسقط للاستدلال.
فالحق أن يقال: إن الرواية بملاحظة ورودها مورد الإهمال، بإرادة المهملة في إحدى قضيتيها التي هي في قوة الجزئية محتملة لوجوه كثيرة، تبلغ إلى ستة عشر وجها، حاصلة بملاحظة الأربع الجارية في الصدر، من جهة احتمالي التخفيف والتشديد، في احتمالي المعلوم والمجهول في نفس تلك الأربع الجارية في الذيل.
ولا ريب أن كلا من تلك الوجوه - مع ملاحظة ما ذكرناه من قرينة المقام - مما يصح إرادته من دون أن ينشأ منه محذور، غاية ما في الباب أنها في بعض تلك الوجوه تصير من أدلة مطهرية الماء، وفي بعضها الآخر تصير من أدلة طهارته أو قبوله الطهارة بعد ما تنجس، والمفروض كون كل من الحكمين مطلوبا في المسألة، فعلى أيهما دلت كانت دالة على ما هو المقصود، وإن كانت دلالتها على الحكم الأول - على تقدير الحمل على الوجوه المناسبة له - دلالة على تمام المقصود، ولو من جهة اعتبارها تارة من حيث المطابقة، واخرى من حيث الالتزام، وعليك باستخراج تلك الوجوه مفصلة، واستفادة المعنى عن كل وجه على حسب ما يقتضيه القواعد العرفية في مثل هذه الهيئة التركيبية.
وإن شئت نشير إلى بعض تلك القواعد، لتكون بمراعاتها على بصيرة وتدبر، فلو قيل لأحد: " احب مجيئك إياي، ولا احب مجيئك إياي "، فإنما يقال به وبنظائره عرفا في كل موضع يكون موضوع القضية ذا حيثيتين، تعلق به الإيجاب بالنظر إلى إحداهما والسلب بالنظر إلى الاخرى، على نحو يكون مفاد المثال المذكور فرضا: " أني احب مجيئك لأني مشتاق إلى لقائك، أو لأن أتبرك بحضورك "، ونحو ذلك مما يمكن فرضه، " ولا احب مجيئك لأنه تعب عليك، أو مانعك عما هو أهم لك " ونحو ذلك، وعلى هذا القياس باعتبارات شتى ما لو قيل: " زيد يأكل ولا يأكل "، " يشتغل ولا يشتغل "، " يعطي ولا يعطي "، وما أشبه ذلك إلى ما لا يعد ولا يحصى، كما يظهر لمن تأمل في العرفيات.
فحينئذ لو حملنا الصدر والذيل في الرواية على كونهما معلومين مشددين كان الحكمان المختلفان من جهة اختلاف الحيثية في أصل الموضوع، وذلك الاختلاف إما باعتبار اختلاف مواضع التطهير، فإن منها ما يقبله ومنها ما لا يقبله، أو من جهة اختلاف