12 - عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: (بينا الحسين عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ أتاه جبرئيل فقال: (يا محمد! أتحبه؟) قال: (نعم.) قال: (أما! إن أمتك سيقتله.) فحزن رسول الله لذلك حزنا شديدا.) (1) الخبر أقول: يظهر من مطاوي هذه الآيات والروايات أن الحزن على أقسام ثلاثة: فالقسم الأول، كالحزن على متاع الحياة الدنيا وزهرتها، أو على قول الكافرين وما اغتروا بها من شوكتها، ويشير إلى ذلك القسم بعض الآيات الماضية. وذلك الحزن غير مطلوب.
والقسم الثاني، هو الحزن على ما فات من النعم التي من الله تعالى بها على عباده، كالحزن على فراق الولد الصالح وموته. وذلك الحزن لا محيص عنه، لأن انكسار القلب وظهور آثار الحزن والكآبة في الوجه للمتفجع عليه، مما يقتضيه طبع الانسان، ولا بأس به ما لم يؤد إلى السخط عن الله تعالى وعدم الرضا بقضائه. ويدل على ذلك القسم من الحزن أيضا بعض الآيات الماضية.
والقسم الثالث، هو حزن العبد على غفلاته وارتكاب الأعمال السيئة، أو ما فات منه من اكتساب الأعمال الصالحة والتخلق بالأخلاق الفاضلة، وكذا ما سيواجهه من أحوال عالم الآخرة كالاحتضار وأحوال القبر والبرزخ والوقوف بين يدي الله للحساب والعبور عن الصراط. وذلك هو الحزن المطلوب الممدوح الذي ينبغي اكتسابه ولو بالقيام على قبور الأموات وقراءة آيات الكتاب، وهو الذي يحبه الله تعالى ويعد من أوصاف الصالحين، ولعل إلى ذلك القسم من الحزن يشير قول النبي صلى الله عليه وآله لأبي ذر (ما عبد الله الخ.) وكلامه عز وجل هنا: (والحزن الدائم.) ناظر إلى هذا القسم من الحزن، الموجب للرشد المعنوي للانسان والباعث له على إصلاح ما فاته من اكتساب الفضائل وتهذيب النفس وتكميلها. وهذا المعنى إنما يحصل بدوام الحزن وعدم انقطاعه، لأن الانسان