ويمكن أن يستفاد من هذه الفقرة معنى أدق وألطف، وهو أنه كما أني أنظر إلى المخلوقين بنظر آلي وظلي، كذلك هؤلاء بسبب فنائهم في ورؤيتهم الأشياء بنظر الفناء، ينظرون إليهم بنظري.
ولما انتهى البحث إلى الفناء، لا بأس بتقديم بيان في معناه:
كلمة حول معنى الفناء:
لا يخفى على أهل التحقيق والشهود والعرفان أن معنى الفناء أوضح من أن يحتاج إلى الشرح والبيان، ولكن نذكر بيانا مستفادا من الكتاب والسنة لمن لا أنس له بمعنى هذه الكلمة، فنقول:
إعلم أنه كما يكون للأشياء والمظاهر في هذا العالم صورا ظاهرية، كذلك لها حقيقة باطنية، كما قال الله تعالى: ﴿ألا! له الخلق والامر﴾ (١)، فتدل هذه الكريمة على أن لهذا العالم المظهري الخلقي عالما آخر سماه الله تعالى (عالم الأمر)، كما سماه أيضا (الملكوت) في قوله سبحانه: ﴿بيده ملكوت كل شئ﴾ (٢) وقال تعالى أيضا: ﴿ألا!
إنهم في مرية من لقاء ربهم، ألا! إنه بكل شئ محيط﴾ (3)، فيظهر من هذه الآيات أن للموجودات ملكوتا غير جهة ملكها وظاهرها، وأن لكل شئ ما يكون محيطا به غير جهة شيئيته، وهو الله سبحانه.
والذين يتكلمون بفناء الأشياء في ذاته تعالى، يريدون به إحاطته سبحانه على جميع الأشياء، أو يشاهدون هذه الإحاطة عيانا ويتلفظون عما شهدوا بهذه الكلمة.
فقد ظهر مما مر أنه ليس معنى الفناء هو الانعدام ونفاد الموجودات، ولا أن يصير ما سواه تعالى من الممكنات واجبا، والواجب تعالى ممكنا، فإن هذا مما لا ينطق به