وجوده وأقرب إليه من حبل وريده، إذا ترك ما يوجب الحجاب من الأعمال السيئة وحذر عن الغفلة، بحيث لا يشغله عن الله شئ طرفة عين، وأقبل على الأعمال الصالحة ، يرتفع منه الحجب المادية، فينال بذلك مرتبة الشهود، فيشاهد الحق سبحانه بقلبه وعين بصيرته. فإن هذا هو معنى القرب منه تعالى.
ولا يخفى أن ارتفاع هذا الحجاب في المرحلة الأولى يكون بعناية من الله تعالى على العبد، وإن كان تهيئة المقدمات لاستجلاب هذه العناية الإلهية بيد العبد من طريق العبادة الصحيحة الخالصة، فإذا شملت العناية الربانية للعبد، اندكت أنانيته في أنانية الحق تعالى، فلا يرى لنفسه إرادة ولا نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، فيصل إلى مقام العبودية الحقيقية، فيرى نفسه بلا رؤية نفسه، ويرى ربه بلا رؤية نفسه، فعند ذلك يصير معنى القرب منه تعالى له مشاهدا، ومعنى الآيات والأحاديث السابقة له مبينا.
وأما السر في ترتب هذا الامر العظيم على الجوع، فلأن المنشأ لكثير من الانحرافات عن الفطرة والمانع عن التوجه إلى الحق سبحانه، هو البطن، فإذا امتلأ ثارت الشهوات وأوجبت ذلك الغفلة، وللغفلة شأن عظيم في ازدياد الحجاب فوق الحجاب، والحرمان عن التقرب إلى رب الأرباب. هذا.
وقد مر في ذيل كلامه عز وجل: (دلني على عمل أتقرب به إليك.) (1) أيضا من الآيات والأدعية ما يوضح معنى القرب إلى الله تعالى. فراجع.