من اخراج صورة الشبهة فان انكار أصول الدين كالإلهية والرسالة لافرق في تكفير منكرها بين ما كان للجحد مع العلم أو لشبهة هذا مع أن الأخبار الدالة على بيان الاسلام وتحديده خال عن اعتبار التصديق بخصوص الضروريات من حيث إنها صارت ضرورية وان ورد ان الاسلام بنى على خمس الا ان المراد ذوات هذه الخمس لامن حيث صيرورتها ضروريات حتى يكون كل ما صارت كذلك يكون مبنى للاسلام والذي يمكن ان يقال في توضيح المرام في هذا المحال انه لاشك في أن الاسلام عرفا وشرعا عبارة عن التدين بهذا الدين الخاص الذي يراد منه مجموع حدود شرعية منجزة على العباد كما قال الله تعالى ان الدين عند الله الاسلام فمن خرج عن ذلك ولم يتدين به كان كافرا غير مسلم سواء لم يتدين به أصلا أو تدين ببعضه دون بعضه أي بعض كان ففي صحيحة أبى الصباح الكناني قال قلت لأبي جعفر (ع) ان عندنا قوما يقولون إذا شهد ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله فهو مؤمن قال فلم يضربون الحدود ويقطع وما خلق الله عز وجل خلقا أكرم على الله عز وجل من المؤمنين وان الملائكة خدام المؤمنين وان جوائز الله للمؤمنين وان الجنة للمؤمنين وان الحور العين للمؤمنين ثم قال (ع) فما بال من جحد الفرائض كان كافرا الحديث فهذه الرواية واضحة الدلالة على أن التشرع بالفرائض مأخوذ في الايمان المرادف للاسلام كما هو ظاهر السؤال والجواب كما لا يخفى وفى مكاتبة عبد الرحيم الصحيحة وفيها ولا يخرجه إلى الكفر الا الجحود والاستحلال بان يقول للحلال هذا حرام وللحرام هذا حلال ودان بذلك فعندها يكون خارجا من الاسلام والايمان داخلا في الكفر وفى صحيحة عبد الله بن سنان قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت هل يخرجه ذلك عن الاسلام وان عذاب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدة وانقطاع فقال من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه ذلك عن الاسلام وعذب أشد العذاب وإن كان معترفا انه أذنب ومات عليه أخرجه من الايمان ولم يخرجه من الاسلام وكان عذابه أهون من عذاب الأول إلى آخره ونحوها رواية مسعدة بن صدقة المروية في الكافي في باب الكبائر والظاهر أن المراد الايمان الكامل في الجملة وصحيحة يزيد العجلي عن أبي جعفر (ع) قال سئلته عن أدنى ما يكون به العبد مشركا قال من قال للنواة حصاة وللحصاة انها نواة ثم دان به وفى رواية سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين (ع) التي في سندها حماد بن عيسى وفيها أدنى ما يكون به العبد كافرا من زعم أن شيئا نهى الله عنه ان الله أمر به ونصبه دينا يتولى عليه ويعبد الذي امره وانما يعبد الشيطان إلى آخره إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على كفر منكر شئ من الدين ومثل قوله (ع) من شرب النبيذ على أنه حلال خلد في النار ومن شربه على أنه حرام عذب في النار ومثل ما دل على وجوب قتل من أفطر شهر رمضان وشارب الخمر بل وتارك الصلاة إذا نفوا الاثم عن أنفسهم نعم ورد في الاخبار ما يدل على استثناء الجاهل مثل ما ورد في باب حد شارب الخمر من أن الأمير (ع) دفع الحد عن شرب الخمر معتذرا باني لم اعرف حرمته وما ورد في ذلك الباب عن محمد بن مسلم قال سئلت أبا جعفر (ع) عن رجل دعوناه إلى جملة ما يحق له من جملة الاسلام فاقربه ثم شرب الخمر وزنى واكل الربا ولم يبين له شئ من الحلال والحرام أقيم عليه الحد إذا جهله قال الا ان تقوم عليه بينة انه كان أقر بحرمتها ودعوى عدم المنافاة بين الكفر وعدم إقامة الحد عليه للجهل بعيدة جدا واما ما دل من النصوص والفتاوى على كفاية الشهادتين في الاسلام فالظاهر أن المراد به حدوث الاسلام ممن ينكرهما من غير منتحلي الاسلام إذ يكفي منه الشهادة بالوحدانية والشهادة بالرسالة المستلزمة للالتزام بجميع ما جاء به النبي وتصديقه في ذلك اجمالا فان المراد من الشهادة بالرسالة الشهادة على أنه صلى الله عليه وآله رسول ومبلغ من الله بالنسبة إلى ما جاء به من الشريعة فلا ينافي كون ما ذكرنا من عدم التدين ببعض الشريعة أو التدين بخلافه موجبا للخروج عن الاسلام وكيف كان فلا اشكال في أن عدم التدين بالشريعة كلا أو بعضا مخرج عن الدين والاسلام ثم إن عدم التدين قد يرجع إلى عدم الانقياد لله بان يعلم مجيئ النبي صلى الله عليه وآله به ويعلم صدقه في ذلك الا انه لا يتدين بذلك عصيانا بحيث لو أوجب الله عليه ذلك من غير واسطة لأبي عنه وامتنع نظير كفر إبليس لعنه الله وقد يرجع إلى انكار صدق النبي صلى الله عليه وآله كمن أنكر شيئا من الدين مع علمه ان النبي صلى الله عليه وآله جاء به ولا اشكال في كفر هذين القسمين الا ان تكفيرنا له متوقف على علمنا بعلمه المذكور سواء نشأ علمنا من الخارج أو من جهة اقراره أو من جهة كون المنكر بالفتح ضروريا لا يخفى على مثل هذا الشخص الذي نشأ بين المسلمين بل لو ادعى الجهل بمجيئ النبي صلى الله عليه وآله به لم يقبل بل يحمل دعواه على خوف التشيع أو التكفير فعلمنا من ذلك بضرورية المنكر بالفتح لادخل له في كفر المنكر وانما له دخل في تكفيرنا إياه حيث إنه لا سبيل لنا غالبا إلى العلم بعلم المنكر الامن جهة كون المنكر مما لا يخفى على مثل المنكر ممن نشاء بين المسلمين وقد لا يرجع انكاره إلى شئ من العنوانين كمن أنكر شيئا من الدين بدعوى عدم مجيئ النبي صلى الله عليه وآله به أو مجيئه بخلافه بحيث يعلم أو يحتمل ان ذلك ليس لأجل ليس لأجل تكذيب النبي صلى الله عليه وآله كما عرفت من أن كثيرا من الخوارج والنواصب والمتدينين ببعض ما هو مخالف لضروري الدين من هذا القبيل قطعا أو ظنا أو احتمالا بل ربما يعدون المخالف لهم خارجا عن الدين فيقربون إلى الله ببغضه
(٣٥٥)