والأخبار مملوءة مشحونة من ذلك.
ويدل على صحته أيضا أن ورود الأخبار بأن أمير المؤمنين عليه السلام احتج به يوم الدار ويوم الشورى وذكر قصة الطائر، وناشدهم الله بها فاعترف الجميع بصحتها.
ولم يكن أمير المؤمنين عليه السلام يحتج بباطل، لا سيما وهو في مقام المنازعة والمشاجرة والتوصل بفضائله إلى أعلى الرتب من الخلافة للرسول عليه السلام، وقد علم أن الحاضرين معه في الشورى يريدون الأمر دونه.
وأيضا فإن الحق معه في ذلك الوقت وغيره، فيجب أن يكون ما قالوا حقا. والدليل على أن الحق معه لا يفارقه، ما تقدم من قول الفريقين في الفصل السادس.
فإن قيل: إن قول الرسول عليه السلام (اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي) يريد أحب الخلق إلى الله في الكل معه خاصة دون أن يكون أحب الخلق إليه في نفسه لكثرة أعماله الصالحة في الزهادة والعبادة، إذ قد يجوز وأن يكون الله سبحانه يحب أن [يكون] مع نبيه من غيره أفضل منه، ويكون ذلك أحب إليه للمصلحة.
فالجواب: إن محبة الله سبحانه وتعالى ليست مثل الطباع البشرية، لأنه ليس بجسم، والشهوة إنما تجوز على الأجسام، ولكن محبة الله هي الإرادة، فإذا وصف القديم سبحانه بأنه يحب من الناس أحدا فالمراد بذلك أنه يريد تعظيمه وتشريفه بقربه من طاعته وإنعامه تعالى عليه بزيادة درجاته ومنافعه، ولو أراد حب الخلق إلى الله في الأكل معه خاصة... (1)