ثم حمل بشر ابن أخي المهلب على عبيدة بن هلال فطعنه طعنة فإذا عبيدة في الأرض، فحماه أصحابه، وحمل عمرو القنا على بشر فالتقيا بضربتين، ضربه بشر في وجهه فرده إلى ورائه، ثم وقف في ميدان الحرب فأنشأ وجعل يقول أبياتا مطلعها:
وكأني مليك إذ سطع النق * - ع وحولي من الرماح عوالي إلى آخرها.
قال: وتعاظم الامر بين الفريقين فاقتتلوا قتالا شديدا، وجعل قطري بن الفجاءة ينادي بأعلى صوته ويرتجز ويقول أبياتا مطلعها:
سبحان ربي باعث العباد * سبحان ربي حاكم المعاد (1) قال: وثار النقع وسطع الغبار وكلبت القوم بعضهم على بعض، وضرب يومئذ المهلب على جبهته ضربة منكرة حتى كاد أن يسقط منها عن فرسه، وتسايلت الدماء على وجهه ولحيته، فأنشأ كعب بن معدان الأشقري (2) في ذلك يقول أبياتا مطلعها:
خلص القتال إلى المهلب بعد ما * منع الذمار وليس فينا مانع إلى آخرها.
قال: وانكشفت الأزارقة من بين يدي المهلب مفضوحين وقد قتل منهم نيف عن ثلاثين رجلا.
فلما كان من الغد زحف القوم بعضهم إلى بعض، وأقبل المهلب على أصحابه فقال: أيها الناس! إن كل من في عسكري فهو لي، ألا! وإني أحبكم، وأحب ما إلي أهل النجدة، فانظروا من كان يحب منكم أحدا منهم فإني أعفيه عن صحبته رجلا من ولدي حتى أجعله في صحبته. قال: فوثب فتى من أهل الكوفة يقال له مالك بن أبي حبان الأسدي فقال: أيها الأمير! اسمع عني ما أقول، فقال المهلب: قل ما بدا لك! فأنشأ وجعل يقول:
اجعلني مع الحرون كأني * فارس الناس في عجاج الحرون فإذا قادني سواه فإني * لا أساوي عقال بان زبون