يقدرون عليه من الزينة [و] وقفوا سماطين على طريق مسلمة، ثم أذن إليون بالدخول إلى المدينة. فأقبل مسلمة على البطال بن عمرو فقال: إني داخل هذه المدينة وقد علمت أنها دار النصرانية (1) وقصبتها وعزها وما أريد بدخولي إليها إلا عز الاسلام وإذلال الكفر، ولست أدري ما يكون من الحدثان، فانظر إذا صليتم العصر ولم أخرج فاقتحموا المدينة بخيلكم ورجلكم فاقتلوا وأحرقوا، والأمير من بعدي عمي محمد بن مروان، فاسمعوا له وأطيعوا. قال: ثم كبر مسلمة تكبيرة عالية ودخل قسطنطينية وحده وعليه درع وبيضة ومن فوق الدرع عمامة بيضاء، وقد تقلد سيفين وفي يده رمح وفي رأسه عذبة بيضاء. قال: ورمقته الروم بأبصارها من كل ناحية متعجبين من شجاعته وإقدامه وشدة قلبه. قال: ومسلمة يسير في المدينة فلا ينظر إلى أحد حتى صار إلى باب قصر إليون ملك الروم، [فلما نظره إليون] وثب قائما وقد كان قاعدا على باب قصره، فقام إلى مسلمة فقبل يده، ثم سار معه راجلا حتى صار مسلمة إلى باب الكنيسة ثم دخل الكنيسة راكبا، واشتد ذلك على الروم وجزعوا لذلك جزعا شديدا، وهموا بمسلمة، فمنعهم من ذلك إليون. قال: ونظر مسلمة إلى صليبهم الأعظم، والصليب من الذهب المرصع بالجوهر، وقد نصب على كرسي من ذهب. قال: فدنا مسلمة من الصليب فاحتمله عن الكرسي ووضعه بين يديه، فقال له إليون: أيها الأمير! إن الروم لا ترضى بهذا وأخاف عليك منهم الشغب، فرد الصليب إلى موضعه ولك قيمته! قال: فحلف مسلمة أن لا يخرج إلا والصليب معه، قال: وضجت الروم لذلك، فقال لهم إليون: كفوا إياكم الرجل، ذروه يأخذه ولكم علي مثله، فإني أخاف عليكم البطال بن عمرو أن يقتحم عليكم فيقتل رجالكم ويسبي نساءكم وذريتكم وأموالكم ويحرق مدينتكم، قال: فسكت القوم، وخرج مسلمة من الكنيسة والصليب معه وإليون ملك الروم يسايره، حتى إذا توسط مسلمة المدينة رفع الصليب منكسا على رأس رمحه والقوم سكوت ما فيهم أحد ينطق بشيء خوفا من البطال بن عمرو أن يهجم عليهم فيمن معه من المسلمين.
قال: وخرج مسلمة من المدينة في وقت العصر والصليب على رأس رمحه وقد هم البطال بن عمرو وأصحابه أن يقتحموا المدينة في ذلك الوقت، فلما نظروا إلى مسلمة كبروا بأجمعهم تكبيرة واحدة. قال: وسار مسلمة حتى دخل مدينة القهر.
فلما كان من الغد كتب مسلمة إلى إليون ملك الروم: أما بعد، فإن الله قد