عزمت على مصالحتك على أنك ترحل عن هذه الجزيرة وترجع إلى المسيحية (1) وتقيم بها، ونؤدي إليك في كل سنة ألف ألف درهم وألف أوقية من ذهب وخمسة آلاف رأس من البقر والغنم وألف رمكة بفحولها سوى ما يتبع ذلك من أنواع البزيون (2) والديباج والسقلاطون (3) وأشباه ذلك، وتسالمني وأسالمك إلى أن ترى رأيك في ذلك - والسلام -.
قال: فكتب إليه مسلم: أما بعد فقد ورد علي كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه من الصلح على أنك تعطيني ما سميت وأرحل عنك إلى المسيحية، غير أني قد آليت يمينا لا كفارة لها أني لا أرحل عن هذه الجزيرة أبدا دون أن أدخل مدينتك هذه، فإذا دخلتها نظرت بعد ذلك فيما ذكرت، وإن أنا لم أدخلها صبرت عليك أبدا حتى يفتح الله على يدي، فإن وصلت إلى ذلك فذاك الذي أريد، وإن تكن الأخرى وقتلت أو مت شهيدا مجاهدا كان المصير إلى ثواب الله عز وجل الذي وعده عباده المجاهدين في سبيله - والسلام -.
قال: فمضى الرسول بالكتاب، ونادى مسلمة في الناس فركبوا، فزحف بهم إلى باب قسطنطينية، وبلغ ذلك إليون ملك الروم، فأقبل معه أشراف أهل مملكته وبطارقتهم حتى أشرف على المسلمين، ثم قال: أيها الناس! إن أميركم مسلمة؟
فإني أريد كلامه مشافهة، قال: فدنا مسلمة حتى وقف حذاءه ثم قال: أنا مسلمة!
فما الذي تريد؟ قال: بلغني ما كان من يمينك التي حلفت بها أنك لا تقلع حتى تدخل مدينتي هذه، وقد رضيت ورضيت الروم أيضا بذلك على أنك لا تدخلها إلا وحدك، لا يكون معك ثان ولك الأمان حتى تخرج، قال مسلمة أيضا: رضيت بذلك أن أدخل وحدي على شرط أنك لا تغلق الباب وعلى أن يقف البطال بن عمرو على باب المدينة في جميع أصحابي، فإن كان منكم إلي غدر اقتحم البطال مدينتكم فقتل المقاتلة وسبى النساء والذرية وأخذ الأموال، قال إليون: قد رضينا بذلك.
قال: ثم أمر إليون بالباب الأعظم ففتح، ثم أمر بصف الخيل والرجالة من باب المدينة إلى باب الكنيسة العظمى بالرايات والاعلام، وترتبت البطارقة بأحسن ما