أصحابه ثم استشارهم في المسير إلى عمر بن عبد العزيز، فقالوا: أيها الأمير! نشير عليك بأن لا تخالف، وأن تكون مع الجماعة، فإنك بحمد الله ممن يحتاج إليه ويرغب فيما عنده لما قد أعطاك الله من العلم والحلم والشدة والشجاعة والنجدة والشرف في أهل بيتك ونكايتك في العدو، ولا تفسدن هذه الخصال بالخلاف والشقاق، فيكون آخر أمرك إلى الدمار والشنآن والتبار، فقال مسلمة: لعمري لقد أحسنتم المشورة، وقد ولي هذا الرجل وهو أهل لما هو به لدينه وورعه وزهده وعبادته ونسكه وشرفه في قومه، وأنا سائر إليه إن شاء الله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال: فعندها نادى مسلمة في الناس وسار حتى صار إلى عمورية، فأقام بها أياما حتى عزل عماله عن جميع بلاد الروم. ثم سار من عمورية يقطع البلاد حتى صار إلى طرطوس. ثم رحل عنها إلى دمشق في ثلاثين ألفا من الناس، وقد كان دخل إلى بلاد الروم في ثمانين ألفا. قال: ولم يدخل دمشق إلا بأمر عمر بن العزيز، فأقبل بجيشه حتى وقف بباب عمر بن عبد العزيز ثم استأذن، فلم يأذن له فانصرف إلى منزله، فلما كان من الغد ركب إليه في عشرة آلاف فارس، فلم يأذن له فانصرف إلى منزله، ثم ركب إليه من الغد فلم يأذن له، فركب إليه من الغد وحده وخلفه غلام له فاستأذن [فأذن] له، فلما دخل عليه وسلم فرد عليه عمر السلام، وأذن له بالجلوس فجلس، ثم قال: يا أمير المؤمنين! أحب أن تخبرني ما ذنبي، إن كنت أذنبت ذنبا فقد أذنب غيري، وإن كنت أخطأت فالخطأ يكون من بني آدم، والكمال لا يكون إلا لله عز وجل. فقال له عمر بن عبد العزيز: يا مسلمة! إنك ضربت بالناس برا وبحرا، وسهلا وجبلا، وقتلت الناس وبلغت موضعا لم تؤمر به، وأردت أن يقال: غزا مسلمة وفعل مسلمة وفتح مسلمة وأغار مسلمة! فطلبت بذلك الاسم والذكر، فالويل لمن عمل في هذه الدنيا رياء للناس! وقد قيل إنك فعلت وصنعت، فإن كنت فعلت ما فعلته لله تبارك وتعالى لا تريد به الحمد والذكر من الناس فطوباك! وإن فعلت ما فعلت رياء للناس فقد صار عملك هباء منثورا، وبعد فغفر الله لنا ولك أبا سعيد وتجاوز عنا وعنك! فإنه متجاوز كريم. ثم قال: حدثني عن القسطنطينية وعن بنيانها، فقال مسلمة: نعم يا أمير المؤمنين! أما بناؤها فقد كنت أراه بالحجارة والجص خلا كنيستها العظمى وقصر ملكها إليون، فإنهما جميعا من الرخام الأبيض، وأما سورها فلها سبعة أسوار مختلفات الأبواب، ومع ذلك فإنها