معه النهر، ثم سار قتيبة بن مسلم في عسكر لجب حتى صار إلى بخارستان فنزل عليها، وخرج إليه ملكها فصالحه وأعطاه الرضى وأخذ منه قتيبة الرهائن.
ثم سار يريد بيكند (1) مدينة من أداني بخارا وبها يومئذ خلق كثير من الترك والسغد والبرقس (2). قال: فسار إليهم قتيبة حتى نزل بساحتهم ونظر إلى عساكرهم، فلما أصبح وثب فعبى أصحابه ميامن ومياسر وقلبا وجناحا وكمينا، ثم زحف بهم إلى الكفار.
قال: وقد كان قتيبة وجه إلى الكفار بجاسوس يقال له تنذر (3) ليأتيه بأخبارهم، قال: وعلمت به الترك فأخذوه وأتوا به إلى ملكهم خاقان، فقالوا: أيها الملك! هذا رجل منا وهو عين لقتيبة بن مسلم علينا فمرنا فيه بأمرك، قال فقال له خاقان: ويحك يا تنذر! أنت رجل منا فما الذي يحملك على أن تكون عينا لقتيبة علينا؟ فقال تنذر:
أيها الملك! إن الرجل لمحسن إلي جدا، ولكن لك علي أن أرده عنك مع جيشه هذا الذي أتاك به، قال فقال له خاقان: إن فعلت ذلك يا تنذر فلك عندي عشرة آلاف درهم وغلام وجارية، وإن أنت مضيت ولم تفعل ذلك ثم وقعت في يدي ضربت عنقك؟ قال تنذر: كفيت أيها الملك! ذرني وقتيبة. قال: ثم رجع تنذر إلى قتيبة فتقدم إليه سرا من أصحابه فقال له: أيها الأمير! إنه قد غرك الحجاج وألقاك إلى التهلكة، وهذا عامل يقدم عليك من قبل الوليد بن عبد الملك، فلا تحارب هؤلاء القوم في يومك هذا فإنك لا تدري كيف يكون الامر بينك وبينهم! قال: فتبسم قتيبة من ذلك ثم قال: يا عدو الله! وما الذي أتاك بهذا الخبر دوني، أهذا شيء دبرته على أن أصرف جيشي هذا عن الترك في يومي هذا، قال: ثم قدمه قتيبة فضرب عنقه صبرا (4). فرأى المسلمون قد راعهم ما فعل قتيبة بجاسوسه هذا، فقال قتيبة: أيها الناس! ما لي أراكم قد راعكم قتل تنذر هذا عبد أحانه الله وقد كنت أظنه ناصحا للمسلمين [بل كان] (5) غاشا لهم، فذروا عنكم ما كان مني إلى تنذر، وعليكم بجهاد عدوكم.