قال يزيد: الله أكبر فسر بنا، قال: فسار الدليل بين يدي يزيد فكان يسير به ليلا وينزل به نهارا، ولا يصبح به إلا على ماء من مياه العرب، حتى إذا تقارب من أرض الشام ونظر إلى قصور الشام [و] فلسطين أدركهم الماء ذات ليلة ساروا وهم لا يشكون أنهم يصبحون في الموضع الذي يريدونه، حتى كان قبيل الصبح صاح يزيد بالدليل: ويحك يا عبد الرحمن! إني أرى النعاس قد غلبنا فكم بيننا وبين الموضع؟
قال: ثلاثة أميال، قال: فانزل بنا حتى نرقد في ليلتنا هذه فقد أضر بي السهر!
قال: فعدل به الدليل إلى قصر هنالك في البرية فأنزله قريبا من باب القصر، فنزل يزيد ونزل من كان معه، ونام القوم فلم ينتبهوا إلا والشمس على ظهورهم، فاستيقظ القوم وعلموا أنه قد فاتهم الصلاة فنظروا إلى ساقية هنالك فتوضأوا منه وصلوا، وأشرفت امرأة من القصر ومعها جارية لها مملوكة فنظرت الجارية إلى يزيد بن المهلب فقالت لمولاتها: ما أشبه هذا الرجل بيزيد بن المهلب! فقالت لها مولاتها:
أو تعرفين يزيد بن المهلب؟ فقالت: وكيف لا أعرفه وقد كنت لبعض مواليه. قال: فرفع يزيد رأسه إليها وهو متلثم، قال: أيتها الجارية! ما اسمك؟ قالت: فلانة، قال:
فلمن هذا القصر؟ قالت: هذا قصر زينب بنت يوسف أخت الحجاج امرأة أبي عقيل الثقفي، فقال يزيد: إنا لله وإنا إليه راجعون! ما يفارقنا الحجاج حيث ما ذهبنا، ثم قال للدليل: ارحل بنا ويحك! قال: فرحل القوم حتى دخلوا أرض فلسطين.
ثم صار يزيد إلى زهرة (1) بن عبد الرحمن الأزدي، فنزل عليه وحدثه بقصته مع الحجاج وقال: أسألك أن تسير الان إلى سليمان بن عبد الملك بن مروان فتأخذ لي منه الأمان حتى أكون في ناحيته، فلا يقدم على أمير المؤمنين، ولا أخاف صولة الحجاج. قال: فركب زهرة بن عبد الرحمن إلى سليمان بن عبد الملك بن مروان فخبره بقصة يزيد وسأله أن يكون في ناحيته حتى يأخذ له الأمان من الوليد بن عبد الملك. قال: فآمنه سليمان، فصار إليه يزيد فقربه وأدناه وخلع عليه وأقام عنده مدة مديدة.
وبلغ ذلك الحجاج فكتب إلى الوليد بن عبد الملك كتابا: أما بعد يا أمير المؤمنين فإن يزيد بن المهلب قد كان تغلب على بلاد خراسان فجبى أموالها، وأني بعثت إليه فأشخصته إلى ما قبلي فطالبته بسبعة آلاف ألف درهم، فأنكر ذلك