دعا قتيبة برجل من أصحابه يقال له سليم بن عبد الله وكان يقال له سليم الناصح، فأرسله إلى نيزك يدعوه إلى الطاعة ويعذله على هربه ويضمن له على قتيبة ما أحب (1). قال: فأقبل سليم الناصح هذا حتى صعد الجبل وصار إلى باب القلعة، ثم استأذن على نيزك فأذن له، فدخل فلما نظر إليه نيزك قربه وأدناه ثم قال: ما وراءك يا سليم الناصح؟ فقال له سليم: ويحك ما الذي حملك على الهرب من العسكر وأنت أنت وقدرك عند الأمير هو القدر الذي علمت؟ فقال نيزك: ويحك يا سليم! إني لم أكن آمن على نفسي من قتيبة مع إكرامه إياي، لان العربي بمنزلة الكلب، إن ضربته نبح، وإن أطعمته بصبص، وإن غزوته فقاتلته ثم صالحته فأعطيته شيئا رضي، هذا رجل قدم إليه فلان الأعور قيل له ألف ألف درهم على أن لا يقتله فلم يقبل ذلك منه وقتله، فلما رأيت ذلك منه لم آمن على نفسي وهربت، فهات الان ما عندك يا سليم! فقال سليم: عندي والله أنه جال في جيشه كله وقد زحفت معه ملوك خراسان من جميع البلاد ولا أظنه نازحا عن موضعه هذا، وأظنه يشتو فيه هذا الشتاء هلك أم سلم، وأنا أرى لك من الرأي أن تنزل من قلعتك هذه ولا يعلم أحد بنزولك حتى تدخل إلى عسكره فتضع يدك في يده، فقال نيزك: ويحك يا سليم إن نفسي لتأبى ذلك، فقال سليم: إني ما جئتك إلا ناصحا مشيرا عليك، فأما إذا أبيت فإني منصرف عنك، قال: ثم وثب سليم لينصرف، فقال له نيزك:
فنغديك إذا يا سليم! [قال: إني لأظنكم في شغل عن تهيئة الطعام و -] (2) معنا طعام كثير، ثم قال سليم لغلامه: يا غلام! ائتنا بالطعام الذي حملناه معنا من العسكر، قال: فجاء الغلام بطعام كثير لا عهد له بمثله، فلما نظرت الأتراك إلى ذلك الطعام وحسنه وكثرته بادروا إليه فانتهبوه. قال: فاغتم نيزك لذلك، فقال له سليم: يا أبا الهياج! إني لك من الناصحين، أرى أصحابك هؤلاء إن طال بهم الحصار أن يستأمنوا قتيبة ويسلموك، فقال نيزك: أو أنزل إلى قتيبة من غير أمان وظني به أنه قاتلي؟ قال سليم: يا هذا! فإنه قد آمنك وإنما هو الذي أرسلني إليك أفتتهمني؟ قال نيزك: لا أتهمك، فقال أصحابه مثل قول سليم وقالوا: اقبل منه قوله فإنه ناصح لك. قال: فدعا نيزك بدابته فركب وركب معه أصحابه، وخرج من باب القلعة حتى إذا صار إلى الدرجة التي ينتهي (3) منها إلى قرار الأرض ضرب