قبله، فالتفت إلى سليم الناصح فقال: يا سليم! من كان لا يعلم متى يموت فأنا أعلم متى أموت، إذا عاينت قتيبة فأنا ميت! فقال له سليم: كلا يا أيها الهياج! لا يكون إلا خيرا إن شاء الله. قال: وسار نيزك حتى إذا خرج من فم الشعب وقع التكبير في عسكر المسلمين (1)، ففزع الأتراك لذلك التكبير ثم تخلفوا عن نيزك، فقال نيزك: أما هذا أول الشر، فقال له سليم: لا عليك يا أبا الهياج! فإن تخلف هؤلاء عنك فهو خير لك من مسيرهم معك فسر.
قال: فسار نيزك حتى إذا دخل العسكر ونظر إليه قتيبة كلمه بلغة الباذغيسية ثم قال: مرحبا برجل غدار، ثم أمر به فحبس في خيمة لقتيبة وقيد بقيد ثقيل، وكتب إلى الحجاج يخبره بأمر نيزك هذا، فكتب إليه الحجاج أن اقتله فإنه رجل سوء غدار عدو لأهل الاسلام. قال: فورد كتاب الحجاج على قتيبة بعد أربعين يوما، فلما ورد عليه الكتاب دعا به قتيبة فأقبل يحجل في قيده حتى وقف بين يديه، فقال له قتيبة: يا نيزك! ألك عندي أمان؟ فقال: لا ولكن عند سليم الناصح أمان، فقال قتيبة:
كذبت يا عدو الله لا أمان لمثلك وقد رجعت عن دين الاسلام غير مرة، ثم قال قتيبة لأصحابه: ما تقولون في نيزك؟ قال: فصاح الناس من كل جانب (2) فقالوا: نقول إنه كافر فاسق مرتد غدار! قال: فدعا قتيبة بالسيف ليضرب عنقه، فقال له نيزك:
إني إنما نزلت إليك بكتاب الله، قال قتيبة: وأنا أقتلك بحكم الله، قال نيزك: فإني أفدي نفسي منك بمال، قال قتيبة: وما مبلغ ما تفدي نفسك مني؟ قال: ألف ألف درهم، قال قتيبة: زدني، قال: ألف ألف درهم، قال: زدني، قال: ثلاثة آلاف ألف درهم، فلم يزل حتى بذل له عشرة آلاف ألف درهم، فقال قتيبة: أين هذا المال؟ قال: في القلعة، قال: القلعة وما فيها لنا، والله لو لم يبق من أجلي إلا ثلاث كلمات لقتلتك (3). قال: ثم قدمه فضرب عنقه صبرا، وقتل معه سبعمائة رجل من أصحابه على دم واحد، فأنشأ المغيرة بن حبناء التميمي (4) في ذلك يقول أبياتا