يحب من الدنيا دخانا وقهوة * ويصبو إلى اكل الحلاوة أكثرا وتلقاه ملهوفا على التين دائما * إلى أن يوارى بالتراب ويقبرا!
ولا يعرف الصابون مدة عمره * كان عليه الغسل اضحى محجرا!
لقيت ببصرى الشام أيام فيصل * فتى عالما بين الأنام موقرا فقلت له من أين جئت فقال لي * من الشام قد قادت ركابي يد السرى فقلت لما ذا قد اتيت إلى هنا * لتطلب مالا أو لتصعد منبرا؟
فقال إلى العربان قد جئت قاصدا * لأغدو فيهم واعظا ومبشرا فألفيت في البلقاء أرضا مخوفة * وشاهدت براما هنالك مقفرا وعربا بتلك الأرض سود وجوههم * حفاة عراة ما عليهم سوى الفرا فبت بحي فيه عرب كثيرة * إلى أن بدا وجه الصباح وأسفرا فقمت ولم الق العمامة فاغتدى * فؤادي منهم خائفا متحذرا فقلت لرب البيت أين عمامتي * ففتش حولي ثم هرول مدبرا وصاح على الجيران في الحي من سطا * على الشيخ في نهب العمامة واجترا؟
فيا حبذا امر عليه قدمتم * ويا رب فصل في منازلكم جزى فاقسم كل عند ذلك منهم * يمينا بهاتيك العمامة ما درى فجاء باردان وقال لي اتخذ * لرأسك منها عمة، وتضجرا وجاء بزاد بعد ذا فوجدته * عتيقا، ومن دهن الجمال معصفرا فأبصرت فيه قملة بدوية * على شكلها من قبل ذلك لم أرى!
فغادرتهم من غير مهل، وها انا * بخفي حنين قد رجعت كما ترى...
فقلت جزاك الله خير جزائه * عساك بهذا ان تثاب وتؤجرا فهل تعرف الأعراب الا حلاوة * وتينا ودخانا وتمرا وسكرا نعم كان للعرب الأوائل طلعة * بها كان عصر الجاهلية نيرا وكانوا بأنواع الشجاعة والندى * جميعا من الشمس المنيرة أشهرا وكانوا أشد الناس بأسا وقوة * وأقواهم يوم الكريهة عنصرا وكان كلام الشيخ والطفل منهم * فصيحا صريحا لا تراه معكبرا وكانت بساحات الكفاح ملوكهم * تضاهي بذاك العصر كسرى وقيصرا 533:
الشريف الرضي ذو الحسبين أبو الحسن محمد بن الطاهر ذوي المنقبتين أبي احمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ولد 359 وتوفي 406 عن 46 سنة ودفن بداره في بغداد ثم نقل إلى مشهد الحسين بكربلا.
أبواه ورث الشريف الرضي المجد والعلا عن أبوين جليلين علويين طالبيين ولعله لذلك لقب ذو الحسبين. فأبوه ذو المنقبتين أو المناقب نقابة الطالبيين وامارة الحج والنظر في المظالم. فنقابة الطالبيين تجعل جميع أمور الطالبيين وأحكامهم اليه، أحدثت هذه الولاية مع نقابة العباسيين في دولة بني العباس ولا نعلم الآن مبدأ حدوثها واستمرت في دول الاسلام إلى اليوم لكنها أصبحت في الزمن الأخير اسما بلا مسمى. وامارة الحج مكانتها معلومة. والنظر في المظالم يشبه منزلة المدعي العام اليوم لكنه أوسع منها.
وكان أبوه من جلالة الشأن وعلو المكان في عصره بحيث كان سفير الخلفاء والملوك والأمراء في الأمور المهمة، وكان ميمون النقيبة مبارك الطلعة ما سفر في امر الا وكلل بالنجاح. وفي ذلك يقول الشريف من قصيدة:
وهذا أبي الأدنى الذي تعرفونه * مقدم مجد أول ومخلف مؤلف ما بين الملوك إذا هفوا * وأشفوا على حز الرقاب وأشرفوا في عدة أبيات يذكر فيها سفارته بين الخلفاء والملوك ويذكر في هذه القصيدة ان أباه لجلالة قدره ما كان يقبل الأرض يدي الخلفاء والملوك كما كان متعارفا في ذلك الزمان فيقول:
حمى فاه عن بسط الملوك وقد كبت * عليها جباه من رجال وآنف ويزيد به الفخر والحماسة في هذه القصيدة فيفضل نفسه على أبيه مع مراعاة الأدب فيقول:
جرى ما جرى قبلي وها انا خلفه * إلى الأمد الأقصى أغذ وأوجف ولولا مرعاة الأبوة جزته * ولكن لغير العجز ما أتوقف وأمه فاطمة بنت الناصر الصغير أبي محمد الحسن بن أحمد أبي الحسين صاحب جيش أبيه الناصر الكبير أبي محمد الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب فهو حسيني النسب من الطرفين ولعله لذلك لقب ذو الحسبين وأبوها هذا وآباؤه كانوا من ملوك طبرستان ببلاد الديلم.
وكان عضد الدولة اعتقل أباه بقلعة فارس عام 369 وبقي معتقلا إلى عام 376 فتكون مدة اعتقاله سبع سنوات. ولم يصرح المؤرخون بسبب اعتقاله، وانما ذكر بعضهم في سببه انه كان يخاف منه وهذا سبب إجمالي لا يفيد كثير فائدة، والمتيقن أنه كان السبب في ذلك امر سياسي ولعله كان ميله لبعض أقارب عضد الدولة ممن كان يناوئه كعز الدولة بختيار أو غيره. ولكن عضد الدولة أرسله بعد ذلك في سفارة بينه وبين بني حمدان، وبعد ذلك بعام واحد قبض عليه وعلى أخيه أبي عبد الله واعتقلهما في القلعة بفارس. ولما سئل عضد الدولة العفو عن أبي إسحاق الصابي، قال لمن سأله ذلك: اما العفو فقد شفعناك فيه وعفونا له عن ذنب لم نعف عما دونه لأهلينا يعني الديلم ولا لأولاد نبينا يعني أبا الحسن محمد بن عمر وأبا احمد الموسوي وأخاه، ولكن وهبت إساءته لخدمته. ومن هنا يفهم ان عضد الدولة كان ينقم على أبي احمد أشياء سياسية كبيرة في نظره. وكان عمر الرضي عند اعتقال أبيه عشر سنوات وهذا يدلنا على أن أمه فاطمة بنت الناصر هي التي كانت تقوم بشؤون الرضي وبتعليمه وان الفضل كل الفضل في تعليمه وتربيته لأمه الجليلة الفاضلة فاطمة بنت الناصر، وهي التي دفعته إلى الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان مع أخيه المرتضى ليعلمهما الفقه، ولو كان أبوه حاضرا لكان هو الذي يحضره واخاه إلى الشيخ المفيد، ولم تحتج أمه إلى أن تحضرهما اليه وكان المفيد رأى في تلك الليلة فاطمة الزهراء جاءت اليه إلى مسجده الذي كان يعلم فيه ومعها ولداها الحسن والحسين وقالت له: أيها الشيخ خذ ولدي هذين وعلمهما الفقه، فلما أصبح تعجب من ذلك. فلما جاءت أم الشريفين اليه بولديها علم تأويل رؤياه.
ولما توفي عضد الدولة سنة 372 بعث الرضي بأبيات إلى أبيه وعمره إذ ذاك فوق الثلاث عشرة سنة بقليل، وهذه الأبيات تنم عن أن الرضي لم يكن واثقا بخلاص أبيه بعد عضد الدولة وان أبناءه سيجرون على سنة أبيهم في معاملة من كان يعاديهم أبوهم أو يصادفهم ولم يستطع الرضي ان يبوح في تلك الأبيات بكل ما في نفسه حيث يقول