أفراده وأرواجه وطود المعارف الراسخ وقضاؤها الذي لا تحد له فراسخ وجوادها الذي لا يؤمل له لحاق وبدرها الذي لا يعتريه محاق، الرحلة التي ضربت إليها أكباد الإبل والقبلة التي فطر كل قلب على حبها وجبل فهو علامة البشر ومجدد دين الأئمة على رأس القرن الحادي عشر اليه انتهت رياسة المذهب والملة وبه قامت قواطع البراهين والأدلة جمع فنون العلم وانعقد عليه الاجماع وتفرد بصنوف الفضل فبهر النواظر والأسماع فما من فن الا وله فيه القدح المعلي والمورد العذب المحلي ان قال لم يدع قولا لقائل أو طال لم يأت غيره بطائل وما مثله ومن تقدمه من الأفاضل والأعيان الا كالملة المحمدية المتأخرة عن الملل والأديان جاءت آخر ففاقت مفاخرا وكل وصف قلته في غيره فإنه تجربة الخواطر.
وقال الحاج محمد مؤمن الشيرازي في كتابه خزانة الخيال في حقه:
بهاء الحق وضياؤه وعز الدين وعلاؤه وافق المجد وسماؤه ونجم الشرف وسناؤه وشمس الكمال وبدره وروض الجمال وزهره وبحر الفيض وساحله وبر البر ومراحله وواحد الدهر ووحيده وعماد العصر وعميده وعلم العلم وعلامته وراية الفضل وعلامته ومنشأ الفصاحة ومولدها ومصدر البلاغة وموردها وجامع الفضائل ومجمعها ومنبع الفواضل ومرجعها ومشرق الإفادة ومشرعها وسلطان العلماء وتاج قمتهم وبرهان الفقهاء وتتمة أئمتهم وخاتم المجتهدين وزبدتهم وقدوة المحدثين وعمدتهم وصدر المدرسين وأسوتهم وكعبة الطالبين وقبلتهم مشهور جميع الآفاق وشيخ الشيوخ على الاطلاق كهف الاسلام والمسلمين مروج احكام الدين العالم العامل الكامل الأوحد بهاء الملة والحق والدين.
وفي لؤلؤة البحرين: كان رئيسا في دار السلطنة أصفهان وشيخ الاسلام فيها وله منزلة عظيمة عند سلطانها الشاه عباس وله صنف الجامع العباسي.
وقال الشيخ احمد المنيني الدمشقي في شرح القصيدة الرائية للمترجم في حقه: صاحب التصانيف والتحقيقات وهو أحق من كل حقيق بذكر اخباره ونشر مزاياه واتحاف العالم بفضائله وبدائعه وكان أمة مستقلة في الأخذ بأطراف العلوم والتضلع من دقائق الفنون وما أظن ان الزمان سمح بمثله ولا جاد بنده وبالجملة فلم تتشنف الأسماع بأعجب من اخباره وقد ذكره الشهاب في كتابيه وبالغ في الثناء عليه وقد أطال أبو المعالي الطالوي في الثناء عليه وكذلك البديعي آه.
وذكره تلميذه المجلسي الأول في شرحه العربي على الفقيه عند الكلام على مشيخة الكتاب فصرح بأنه من مشائخه وانه من نسل الحارث الهمداني قال ذكره الشهيد الثاني في اجازته لأبيه وذكر جماعة من أجداده ومدحهم ثم قال هو شيخنا وأستاذنا ومن استفدنا منه بل كان الوالد المعظم كان شيخ الطائفة في زمانه جليل القدر عظيم الشأن كثير الحفظ ما رأيت بكثرة علومه ووفور فضله وعلو مرتبته أحدا. له كتب نفيسة آه.
وقال الشيخ محمد رضا الشبيبي:
لقد استرعى نظري وانا أتصفح مختلف الأسفار والتصانيف لتقييد ما يتصل منها بتاريخ الفلسفة الاسلامية. ان جملة من كتب الشيخ بهاء الدين العاملي رحمه الله حافلة بفوائد وشواردة فلسفية مضافا إلى بحوثه الأخرى في الرياضيات والفلكيات. لا تخلو كتب الطبقات والتأليف من التنويه بعلماء قليلين شاركوا في جملة من الفنون والعلوم ولكن ما أندر الذين برعوا وحذقوا تلك العلوم والفنون التي شاركوا فيها جميعا وما أقل الذين جودوا التاليف ووضع الكتب فيها إذ ليس كل من مشارك في ذلك موفقا كما لا يخفى ومن ذلك القليل النادر الإمام محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني العاملي المعروف بالشيخ البهائي أو بهاء الدين العاملي فإنه شارك مشاركة عجيبة في جميع العلوم والفنون المعروفة في زمانه عقلية ونقلية ووفق في التاليف فيها وفي جملتها الفقه والأصول والحديث والتفسير واللغة وعلومها والحكمة والفنون الرياضية والفلكية وقد كتب له التوفيق في مؤلفاته فذاعت واقبل عليها العلماء المتعلمون في القرون الأربعة الأخيرة وندر ان يقدر لغيره ما قدر له من بقاء الذكر وطيب الأحدوثة وجميل الأثر ونلاحظ الأثر الذي تركه في مختلف شؤون الحياة من دينية ودنيوية مادية ومعنوية، نقول إن ذلك الأثر الذي تركه لدى طبقات مختلفة من العالم الاسلامي لا يزال باقيا حتى اليوم.
ما أكثر التاليف والتصانيف التي اندثرت فعفي شأنها وذهب زمانها اما آثار الامام العاملي على كثرتها فقد غالبت الأيام بجدتها وطرافتها.
يحفل تاريخ العلوم والحضارة الاسلامية بذكر عدد كبير من العلماء منهم من قصر جهده وصرف وكده على علم أو فن بعينه فمنهم من انقطع لعلوم الدين ومنهم من تجرد لعلوم الدنيا حتى عاش كل منهم داخل اطار معين من فنه لا يكاد يتعداه في الغالب، اما الامام العاملي فقد طاف في كل مدرسة واخترق نطاقها ودمر على رجالها وشاركهم فيما يعنيهم كأنه واحد من القوم وهذا سر من أسرار تفوقه وسبقه وتقدمه اخذه بمجامع القلوب فهو فقيه مع الفقهاء ومحدث مع المحدثين وصوفي مع المتصوفة وفيلسوف مع الفلاسفة ورياضي مع أصحاب التعليم وهو نحوي مع النحاة إلى غير ذلك.
ترجم للامام العاملي كثيرون من متأخري المؤلفين وأصحاب المعجمات وأطنب بعضهم في هذه الناحية ومع ذلك بقيت مصادر من صنف آخر قلما تناولها الباحثون وفي هذا الصنف من المصادر نعثر على نبذ غير معروفة حتى الآن من أحراك الشيخ وقوام هذا الصنف البقية الباقية من مخطوطات الامام العاملي والنسخ الأصلية المقروءة عليه من مؤلفات غيره إذ لا يخفى ان الشيخ رحمه الله كتب ونسخ وعلق الكثير. وتوجد جملة من مؤلفاته في مكتبات الديار الإيرانية وغيرها ولا يستبعد وجود بعض نسخ الأصل من مؤلفاته وغيرها من المؤلفات التي نسخها بخطه في بلاد أخرى كالهند وأفغانستان والبحرين عدا ما يوجد منها في دور الكتب والمتاحف الغربية ومن يتصفح تلك النسخ المخطوطة وتعاليق الشيخ عليها وصور إجازاته لمن قرأ كتبه أعني إجازات روايتها عثر بلا شك على فرائد ونوادر غير قليلة لها علاقة بسيرته والتعريف بجملة من أصحابه الذين لم يرد لهم ذكر في التاريخ.