وباعتباره مصدرا واصلا من أصول الحديث يوثق به من جهة أخرى.
فيجب علينا النظر في هذه المؤاخذات في صبر العالم المتثبت من غير تحيز، لما في ذلك من الأثر على الناحية الفقهية وهي منظورنا الأول في بحثنا هذا وعليه فنقول:
أولى الملاحظات: ان الكتاب حذف كثيرا من سند الأحاديث استنادا على ما يذكره في خاتمة الكتاب من المشيخة لتخرج عن حد المراسيل كما أشرنا إلى ذلك في البحث السابق. ولكنه بالأخير لم يذكر جميع الطرق التي له بل أحال بيانها على كتابه الفهرست وعلى فهارس شيوخه. والإحالة على الفهرست كانت موفقة لأن هذا الكتاب استطاع ان يحافظ على نفسه من عوادي الدهر فبقي حتى اليوم بين أيدينا وقد طبع مرتين اما فهارس شيوخه فقد فقدت منا ولم يبق لها اثر بين أيدي الناس من القديم. ولأجل هذا بقيت جملة من الأحاديث منه مرسلة بغير اسناد معروف. ولكن الفاضل الأردبيلي في خاتمة جامع الرواة تمكن من اصلاح جملة من الطرق التي كانت مغفلة وقد صنع في ذلك رسالة سماها تصحيح الأسانيد تقع في 57 صحيفة.
وثاني الملاحظات: ما لهج به الشيخ الحلي ابن إدريس فقد قال في سرائره كتاب الميراث في ميراث المجوسي ص 410: وقد صنف كتبا اخبارية أكبرها تهذيب الكلام أورد فيه من كل غث وسمين. ويقصد بالغث حسبما يقتضيه بحثه في تلك المسالة وجود روايات غير معتمدة لا يصح الأخذ بها.
واحسب ان السر في اكثاره من نقد التهذيب في الرواية اختلافه مع الشيخ في الخبر الواحد لأن الشيخ من القائلين بحجيته وهو ينكرها تبعا للسيد المرتضى علم الهدى كما صرح به في خطبة السرائر وكرره في غضونها قال ص 14: فلا يجوز الرجوع إليها اي اخبار الآحاد لأن خبر الواحد لا يوجب علما ولا عملا كائنا من كان رواية. وزاد على ذلك فادعى اجماع علماء الإمامية فقال: ان مذهب أصحابنا ترك العمل باخبار الآحاد ما خالف فيه أحد منهم.
وإذا كان هذا رأيه في خبر الواحد فما تظنه يقابل اخبار الآحاد التي يرويها الشيخ في التهذيب وغيره الا ان يعتبرها غثا. ولذلك رأى من اللازم عليه ان يوجه اليه شبه النصيحة القارصة في قوله في كتاب الرهون 261:
وله توسطات عجيبة لا استجملها له والذي حمله على ذلك جمعه بين المتضادات وهذا لا حاجة فيه بل الواجب الأخذ بالأدلة القاطعة للاعذار وترك اخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا فإنه أسلم للديانة لأن الله تعالى ما كلفنا الا الأخذ بالأدلة وترك ما عداها.
ونحن نقول لشيخنا المتبحر ابن إدريس: انك تفردت مع جماعة معروفة وهم السيد المرتضى وابن زهرة والطبرسي الذي جاء بعدكم باطراح اخبار الآحاد، وخالفتم في ذلك علماء الطائفة وعلى رأسها شيخها ورئيسها أبو جعفر الطوسي، فحق ان ترى اخبار الآحاد التي يرويها الثقات غثا.
ولكن العلماء كلهم يرونها من السمين الذي يجب ان يؤخذ به في حدود مدونة في كتب علم الوصول. وقد اتضح ذلك للذين جاءوا بعدكم من المحقق الحلي المتوفى 676 إلى يومنا هذا. وذلك مما أوضحه الشيخ وبرهن عليه في كتاب العدة وغيره.
بل إن من الطعون المأخوذة على ابن إدريس نفسه انكاره للعمل بخبر الواحد ومن العجيب وهو يستغرب رواية خبر الواحد والاعتماد عليها يحاول مرة بعد أخرى الاعتذار عن الشيخ في ايراده اخبار الآحاد بأنه يوردها للتدوين لا للعمل لا سيما عن كتابه النهاية. راجع السرائر ص 17 و 18 و 88 و 166 و 379 وغيرها.
والأعجب من ذلك أن ينسب إلى الشيخ انكار العمل بخبر الواحد فيقول ص 218: وان وجد له في بعض كتبه كلام يدل على أنه يعمل باخبار الآحاد فقد يوجد له في بعض كتبه وتصانيفه كلام يدل على أنه غير عامل باخبار الآحاد ويوجد ذلك في استبصاره كثيرا فإنه يقول هذا خبر واحد واخبار الآحاد غير معمول بها.
وكأنه لهذا الكلام يريد أن يؤكد احتواء التهذيب على الغث باعتراف الشيخ، ولكن الشيخ في خطبة الاستبصار نفسه يصرح بجواز العمل بخبر الواحد ويذكر وجوه المعارضات والترجيح بين اخبار الآحاد، وكذلك في معظم كتبه ولا سيما العدة، ولم نعثر على تصريح له بعدم العمل بخبر الواحد بنحو العموم الا ما قد يقول عن بعض الأخبار انه شاذ أو مرسل لا يعمل به ونحو ذلك.
ونعود فنقول لابن إدريس: ان كنت أردت من الغث اخبار الآحاد فهو ليس من الغث كما تصورته وحاولت من الشيخ الاعتراف به وإن أردت شيئا آخر فما هو؟ لعلك تريد انه يروي عمن لا يعول عليه والشيخ يشترط في قبول الراوي ان يكون اماميا عدلا. وذلك حينما انتقدت الشيخ في روايته عن السكوني إسماعيل بن زياد ص 410 من السرائر وهو أي السكوني عامي المذهب بغير خلاف وشيخنا أبو جعفر موافق على ذلك وقائل به ذكره في فهرست أسماء المصنفين ثم قلت: فإن كان عاملا باخبار الآحاد فلا يجوز ان يعمل بهذه الرواية إذا سلمنا له العمل باخبار الآحاد تسليم جدل وقلت ص 242: وهذا يعني السكوني عامي المذهب وان كان يروي عن الصادق ع فكيف ترك الأدلة الظاهرة يعني الشيخ لرواية هذا الرجل ولكن السكوني هذا ذكره الشيخ في الفهرست غير أنه لم ينص على أنه ليس بامامي والمعروف عن طريقته ان من لم ينص عليه فهو عنده امامي، فمن أين حكمت على أنه موافق على أنه عامي المذهب؟ على أنه ذكره في رجاله من أصحاب الصادق ع ومن يذكره في أصحاب الإمام الصادق من دون نص على مذهبه فهو امامي عنده، ثم إنه نقل عن الشيخ في عدته انه ذكره بالتوثيق وادعى الاجماع على العمل بروايته.
وكفى ما قاله السيد الداماد في رواشحه كما نقل عنه: فاذن رواياته ليست ضعافا بل هي من الموثقات المعول عليها والطعن فيه بالضعف من ضعف التمهر وقصور التتبع.
وثالث الملاحظات: ما نقله صاحب لؤلؤة البحرين عن بعض مشايخه المعاصرين في بعض إجازاته ولم يصرح باسمه قال هذا البعض بعد الثناء على الشيخ: الا انه كثير الاختلاف في الأقوال وقد وقع له خبط