فهو يجعله شرحا للمقدمة في الفقه تأليف أستاذه الشيخ المفيد حسبما اقترحه عليه ذلك الصديق لأنها حسب تعبيره:
شافية في معانيها كافية في أكثر ما يحتاج اليه من احكام الشريعة وانها بعيدة عن الحشو.
ثم يترجم كل باب حسبما يترجمه صاحب المقدمة اي يجعل عناوين الأبواب كعناوين أبواب المقدمة ثم يذكره مسالة مسالة فيستدل عليها ويجعله مقصورا على ما تضمنته الرسالة من الفتوى ولم يقصد زيادة عليها كما قرره أخيرا.
الثاني في أسلوب التاليف:
فهو لأجل ان يشرح المسالة يتبع ما يلي:
1 يستدل عليها اما من ظاهر القرآن الكريم أو صريحه أو فحواه أو دليله أو معناه واما من السنة المقطوع بها بالتواتر أو بالقرائن. واما من اجماع المسلمين أو اجماع الامامية الاثني عشرية. ويقصد بالسنة المقطوع بها التي يعبر عنها بالأخبار وهي الأخبار التي يرويها اهل السنة ونفهم ذلك من مقابلتها فيما يأتي بتعبيره أحاديث أئمتنا ومن تصريحه بذلك في مقدمة المشيخة وستأتي الإشارة اليه.
2 يذكر بعد ذلك ما ورد من أحاديث أصحابنا اي الاثني عشرية المشهورة في ذلك. وينظر بعد ذلك فيما ينافيها ويضادها.
3 يبين الوجه في المنافية للمشهورة اما بتأويل يجمع بينهما أو يذكر وجه الفساد في المنافية من سنة أو من عمل للعصابة على خلافها.
فلو اتفق الخبران على وجه لا ترجيح لأحدهما على الآخر اي تعادلا في الترجيح بميزان العمل يجب ان يكون بما يوافق الأصلي وترك ما يخالفه.
وكذلك إذا كان الحكم مما لا نص فيه على التعيين حمله على ما يقتضيه الأصل.
فهو على هذا يسعى جهده للتوفيق بين المتنافيات من الأحاديث ومهما تمكن من التأويل من غير طعن في سند أحدهما فإنه لا يتعداه اي انه لا يتسرع في الطعن بسند الحديث الا إذا اقتضت الضرورة عند العجز عن التوفيق.
4 يجتهد في أن يرى حديثا يكون شاهدا على الجمع والتأويل إما بصريحه أو بفحواه حتى يكون عمله على الفتيا والتأويل معا بالأثر وإن كان لا يرى من الواجب ان يلتمس الشاهد وإنما يلتمسه لأنه مما يؤنس بالتمسك بالأحاديث ثم يقول بالأخير: واجري على عادتي هذه إلى آخر الكتاب.
ومن هذا الأسلوب في الشرح الذي يقرره يظهر لنا أن كتابه ليس كسائر كتب الحديث لجمع الأخبار خاصة كالكافي ومن لا يحضره الفقيه وهذه الطريقة من الجمع والتأويل والتعادل والتراجيح استوحاها من غايته الكلامية التي أشرنا إليها.
ولقد كان رحمه الله في طريقته هذه بارعا كل البراعة وموفقا كل التوفيق في أكثر تأويلاته وجمعه لم يسبقه إلى نظيرها أحد من المؤلفين وبهذا امتاز على كتابي الكافي ومن لا يحضره الفقيه وذلك من ناحية النظر في المتعارضات والجمع بينها.
ولكن يبقى التساؤل انه هل حافظ الشيخ على منهاجه هذا إلى آخر الكتاب كما وعد في كلمته الأخيرة التي نقلناها؟ وقبل ان نفتش بأنفسنا في غضون الكتاب لنرجع إلى المؤلف نفسه فإنه يحدثنا في مقدمة المشيخة التي وضعها خاتمة لكتابه انه عدل على ذلك المنهج فإنه يقول: كنا شرطنا في أول الكتاب أن نقتصر على ايراد شرح ما تضمنته المقنعة وأن نذكر مسالة مسالة ونورد فيها الاحتجاج من الظواهر والأدلة المفضية إلى العلم ونذكر مع ذلك طرفا من الأخبار التي رواها مخالفونا ثم نذكر بعد ذلك ما يتعلق به أحاديث أصحابنا ونورد المختلف في كل مسالة منها والمتفق عليها. ووفينا بهذا الشرط في أكثر ما يحتوي عليه كتاب الطهارة، ثم رأينا ان نخرج بهذا البسط عن الغرض ويكون مع هذا الكتاب مبتورا غير مستوفى.
فعدلنا عن هذه الطريقة إلى ايراد أحاديث أصحابنا رحمهم الله المختلف فيه والمتفق ثم رأينا بعد ذلك أن استيفاء ما يتعلق بهذا المنهاج أولى من الأطناب في غيره فرجعنا وأوردنا من الزيادات ما كنا أخللنا به.
فهو إذن قد عدل عن منهاج بحثه في الأساسين معا فلم يتقيد بما تضمنته المقنعة واقتصر على أحاديث أصحابنا والدافع له إلى هذا العدول حسب تصريحه هو تلك الغاية الكلامية وفي الحقيقة ان هذه الغاية هي التي تحكمت في هذا الكتاب وجعلته الوحيد من نوعه في أسلوبه ومنهاجه فجاء بآراء في الجمع والتأويل لا يزال أكثرها معمولا بها عند المجتهدين.
وجاءت الزيادات التي أشار إليها في آخر كتاب الطهارة واسعة كمستدرك على أصل الكتاب، وقد خالف فيها المألوف إذ يضع المؤلفون المستدرك في كتاب مستقل ولكنه أبى الا ان يسمي المستدركات بباب الزيادات كأنها جزء من أبواب الكتاب الأصلي. وهي لم تختص بكتاب الطهارة كما يبدو من عبارته بل كان يأتي بها لأكثر الكتب الفقهية.
وبعد ان تحققنا من مناهجه وعرفنا ان اختص بالأخير بالأحاديث لنعرف الآن كيف سلك في نقل الحديث فان هناك طريقتين: الأولى طريقة الكافي وهي ان يذكر في كل حديث نص السند كاملا الثانية طريقة من لا يحضره الفقيه وهي ان يحذف السند ويشرح في موضع آخر سنده إلى كل راو بالتفصيل.
ولكن التهذيب قد جمع بين الطريقتين اما في كتاب الطهارة فهو يذكر السند غالبا كاملا، وفي باقي الكتاب كثيرا ما يبتر مقدمة السند فينقل رأسا عن الأصل ويترك ذكر طريقه اليه فلذا التجا في الخاتمة إلى ذكر مشيخته الذين يروى عنهم الأصول والكتب، لتخرج بذلك كما قال عن حد المراسيل وتلتحق بباب المسندات.
مؤاخذات الكتاب:
أخذت على الكتاب عدة أمور لها تأثيرها على قيمته العلمية باعتباره مرجعا للمجتهدين يعتمد عليه في استقاء الآراء الفقهية من جهة،