بعيد منه وكان مع هذه الحال ثابت الذهن كامل العقل يرد فيما يسال عنه ردا صحيحا قال أبو علي وعاش بعد ذلك عامين وكنت أسأله عن شكوكي في اللغة وهو بهذه الحال فيرد بأسرع من النفس بالصواب وقال لي مرة وقد سألته عن بيت شعر لئن طفئت شحمتا عيني لم تجد من يشفيك من العلم ثم قال لي يا بني وكذلك قال لي أبو حاتم وقد سألته عن شئ ثم قال لي أبو حاتم وكذلك قال لي الأصمعي وقد سألته قال أبو علي وآخر شئ سألته جاوبني ان قال لي يا بني حال الجريض دون القريض فكان هذا الكلام آخر ما سمعته منه وكان قبل ذلك كثيرا ما يتمثل:
فوا حزني أن لا حياة لذيذة * ولا عمل يرضى به الله صالح وفي معجم الأدباء: قال أبو هلال عن أبي احمد حضرنا مجلس ابن دريد وكان يتضجر ممن يخطئ في قراءته فحضر غلام وضئ فجعل يقرأ ويكثر الخطأ وابن دريد صابر عليه فتعجب اهل المجلس فقال رجل منهم لا تعجبوا ان في وجهه غفران ذنوبه فسمعها ابن دريد فلما أراد ذلك الرجل ان يقرأ قال هات يا من ليس في وجهه غفران ذنوبه فعجبوا من صحة سمعه مع علو سنه وقال بعضهم في مجلس ابن دريد:
من يكن للظباء صاحب صيد * فعليه بمجلس ابن دريد ان فيه لا وجها قيدتني * عن طلاب العلى بأوثق قيد قال ابن خلويه في شرح مقصورة ابن دريد كان ببغداد عباد بن عمر بن الحليس بن عامر بن زيد بن مذكور بن سعد بن حارث الكرماني صاحب لغة وكان يطعن على ابن دريد وينقض عليه الجمهرة فجاء غلام لابن دريد فجلس بحذائه في الجامع ونقض على الكرماني جميع ما نقضه على ابن دريد فقال اكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم قال أبو بكر بن دريد أعزه الله تعالى عننت الفرس إذا حبسته بعنانه فان حبسته بمقوده فليس بمعن قال الكرماني الجاهل أخطأ ابن دريد لأنه ان كان من عننت فيجب ان يكون معنونا وان كان من أعننت فيجب ان يكون معنا وأخطأ لكذا وكذا فوقف شاعر على الحلقة فقال اكتبوا:
أذللت كرمان وعرضتها * لجحفل مثل عديد الحصى وابن دريد عزة فيهم * في بحره مثلك كم غوصا جثا على الركبة حتى إذا * أحس نزرا قعد القرفصا والله ان عاد إلى مثلها * لأصفعن هامته بالعصا فلم يلتفت إلى الكرماني بعد ذلك. وقال ابن خالويه في الشرح المذكور حضرت ابن دريد وقد ناوله أبو الفوارس غلامه طاقة نرجس فقال يا بني ما اصنع بهذا اليوم وأنشد:
صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه * فلما علاه قال للباطل أبعد وفي معجم الأدباء سئل ابن دريد عن معنى قول الشاعر:
هجرتك لا قلى مني ولكن * رأيت بقاء ودك في الصدود كهجر الحائمات الورد لما * رأت ان المنية في الورود تفيض نفوسها ظما وتخشى * حماما فهي تنظر من بعيد فقال الحائم الذي يدور حول الماء ولا يصل اليه فقال حام يحوم حياما ومعنى الشعر ان الأيائل تأكل الأفاعي في الصيف فتحمى فتلتهب بحرارتها وتطلب الماء فإذا وقعت عليه امتنعت من شربه وحامت حوله تتنسمه لأنها ان شربته في تلك الحال صادف الماء السم الذي في جوفها فتلفت فلا تزال تدفع بشرب الماء حتى يطول بها الزمان فيسكن ثوران السم ثم تشربه فلا يضرها ويقال فاظ الميت وفاضت نفسه وفاظت نفسه أيضا جائز عن الجميع الا الأصمعي فإنه يقول فاظ الميت فإذا ذكر النفس قال فاضت نفسه بالضاد ولم يجمع بين الظاء والنفس. وقال ابن دريد كنت بعمان مع الصلت بن مالك الشاري وكانت الشراة تدعوه أمير المؤمنين وكانت السنة كثيرة الأمطار ودامت على الناس فكادت المنازل ان تتهدم فاجتمع الناس وصاروا إلى الصلت وسألوه ان يدعو لهم فأجل بهم ان يركب من الغد إلى الصحراء ويدعو فقال لي بكرة لتخرج معي في غد فبت مفكرا كيف يدعو فلما أصبحت خرجت معه فصلى بهم وخطب ودعا فقال: اللهم انك أنعمت فأوفيت وسقيت فأرويت بعلى القيعان ومنابت الشجر وحيث النفع لا الضرر فاستحسنت ذلك منه. وتذاكر قوم المتنزهات وابن دريد حاضر فقال بعضهم أنزه الأماكن غوطة دمشق وقال آخرون بل نهر الأبلة وقال آخرون بل صغد سمرقند وقال بعضهم نهروان بغداد وقال بعضهم شعب بوان بأرض فارس وقال بعضهم نوبهار بلخ فقال هذه متنزهات العيون فأين أنتم عن متنزهات القلوب قلنا وما هي يا أبا بكر قال عيون الاخبار للقتيبي والزهرة لابن داود وقلق المشتاق لابن أبي طاهر ثم أنشأ يقول:
ومن تك نزهته قينة * وكأس تحث وكأس تصب فنزهتنا واستراحتنا * تلاقي العيون ودرس الكتب وحكي ياقوت في معجم الأدباء في ترجمة أبي العباس إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن ميكال ان المقتدر لما قلد أباه عبد الله بن محمد الاعمال بكور الأهواز حمل إسماعيل إلى أبيه فاستدعى أبوه أبا بكر محمد بن الحسن بن دريد لتأديبه فهو كان مؤدبه وفيه وفي ابنه المذكور قال ابن دريد مقصورته المشهورة في الدنيا آه. وقال ابن الأنباري حكى أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي قال سالت أبا بكر بن دريد عن الكاغد فقال يقال بالدال المهملة وبالذاك المعجمة وبالظاء المعجمة.
تشيعه كفى دليلا عليه ايراد ابن شهرآشوب له في شعراء أهل البيت المجاهرين كما مر وشعره الذي أورده له في المناقب كما يأتي واما وصف السيوطي له في بغية الوعاة بالشافعي كما مر فلم نجده لغيره ويمكن ان يكون تستر بمذهب الشافعي كما وقع لجملة من علماء الشيعة الجعفرية.
مشايخه قد سمعت انه قرأ على أبي عثمان الاشنانداني سعيد بن هارون كتاب المعاني وقال ابن النديم في الفهرست قرأ على علماء البصريين واخذ عنهم مثل أبي حاتم والرياشي والتوزي والزيادي وروى أبو بكر عن عمه الحسن بن محمد كتاب مسالمات الاشراف وقال الخطيب في تاريخ بغداد حدث عن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي وأبي حاتم السجستاني وأبي الفضل الرياشي.