ويوقع عليها بتوقيعه وبلغ أعلى المراتب ولما خلع بنو ميكال وذهبوا إلى ارض خراسان جاء ابن دريد إلى بغداد سنة 308 واتصل بالوزير الشيعي علي بن الفرات فقربه إلى المقتدر فامر له بخمسين دينارا كل شهر حتى مات.
وقال في معجم الشعراء: شيخنا رضوان الله عليه. ولد بالبصرة ونشأ بعمان وكان اهله من رؤساء أهلها وذوي اليسار منهم ثم تنقل في جزائر البحر وفارس ثم ورد مدينة السلام بعد أن أسن فأقام بها إلى أن توفي في سنة احدى وعشرين وثلاثمائة، وكان رأس اهل العلم والمتقدم في الحفظ للغة والأنساب وأشعار العرب وهو غزير الشعر كثير الرواية سمح الاخلاق وكانت له نجدة في شبابه وشجاعة وسخاء وسماحة.
حفظه روى الخطيب في تاريخ بغداد عن علي بن الحسن التنوخي عن أبي الحسن أحمد بن يوسف الأورق عن جماعة عن أبي بكر بن دريد قال كان أبو عثمان الاشنانداني سعيد بن هارون صاحب كتاب المعاني معلمي وكان عمي الحسين بن دريد يتولى تربيتي فإذا أراد الأكل استدعى أبا عثمان يأكل معه فدخل عمي يوما وأبو عثمان المعلم يرويني قصيدة الحارث بن حلزة التي أولها آذنتنا ببينها أسماء فقال لي عمي، إذا حفظت هذه القصيدة وهبت لك كذا وكذا ثم دعا بالمعلم ليأكل معه فدخل اليه فأكل وتحدثا بعد الأكل ساعة فإلى ان رجع المعلم حفظت ديوان الحارث بن حلزة بأسره فخرج المعلم فعرفته ذلك فاستعظمه وأخذ يعتبره علي فوجدني قد حفظته فدخل إلى عمي فأخبره فأعطاني ما كان وعدني به قال أبو الحسن وكان أبو بكر واسع الحفظ جدا ما رأيت احفظ منه كان يقرأ عليه دواوين العرب كلها أو أكثرها فيسابق إلى اتمامها ويحفظها وما رأيته قط قرئ عليه ديوان شاعر الا وهو يسابق إلى روايته لحفظه له. وفي معجم الأدباء عن السلامي في كتاب النتف والظرف ان ابن دريد صنف الجمهرة للأمير أبي العباس إسماعيل بن عبد الله بن ميكال أيام مقامه بفارس فأملاه عليه إملاء من اوله إلى آخره حفظا في سنة 297 قال أبو العباس فما رأيته استعان عليه بالنظر في شئ من الكتب الا في باب الهمزة واللفيف فإنه طالع له بعض الكتب وكفاك بهذا فضيلة وعجيبة ان يتمكن الرجل من عمله كل التمكن ثم لا يسلم من الألسن حتى قيل فيه ابن دريد بقره إلى آخر ما يأتي.
من قدح فيه في تاريخ بغداد بسنده عن الدارقطني انه سئل عن ابن دريد فقال تكلموا فيه وقال حمزة سمعت أبا بكر الأبهري المالكي يقول جلست إلى جنب ابن دريد وهو يحدث ومعه جزء فيه ما قال الأصمعي فكان يقول في واحد حدثني الرياشي وفي آخر حدثنا أبو حاتم وفي آخر حدثنا ابن أخي الأصمعي عن الأصمعي يقول كما يجئ على قلبه. وذكر ياقوت عن ابن شاهين كنا ندخل على ابن دريد ونستحي منه لما نرى من العيدان المعلقة والشراب المصفى موضوع وقد كان جاوز التسعين سنة وعن الخطيب فيما أسنده إلى إسماعيل بن سويد ان سائلا جاء إلى ابن دريد فلم يكن عنده غير دن نبيذ فوهبه له فجاء غلامه وأنكر عليه ذلك فقال أيش أعمل لم يكن عندي غيره ثم تلا لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون فما تم اليوم حتى أهدي له عشرة دنان فقال للغلام تصدقنا بواحد واخذنا عشرة.
وقال أبو منصور الأزهري في مقدمة كتاب التهذيب: وممن ألف في زماننا الكتب فرمي بافتعال العربية وتوليد الألفاظ وادخال ما ليس من كلام العرب في كلامها أبو بكر محمد بن دريد وقد حضرته في داره ببغداد غير مرة فرأيته يروي عن أبي حاتم والرياشي وعبد الرحمن بن أخي الأصمعي وسالت إبراهيم بن محمد بن عرفة عنه فلم يعبأ به ولم يوثقه في روايته وألفيته انا على كبر سنه سكران لا يكاد يستمر لسانه على الكلام من سكره وقد تصفحت كتابه الذي أعاره اسم الجمهرة فلم أرد على معرفة ثاقبة ولا قريحة جيدة وعثرت من هذا الكتاب على حروف كثيرة أنكرها ولم اعرف مخارجها فاثبتها في كتابي في مواقعها منه لأبحث انا وغيري عنها وقال أبو ذر الهروي سمعت الأزهري يقول دخلت على ابن دريد فرأيته سكران فلم أعد اليه آه وفي بغية الوعاة قلت قد تاب بعد ذلك كما سيأتي آه وأشار إلى ما سيأتي من قصة من ناوله طاقة نرجس مع أن الخطيب في تاريخ بغداد لم يذكر في ترجمته شيئا من هذا فلعله مكذوب عليه والدار قطني قال تكلموا فيه وهو يشير إلى عدم ثبوته عنده وقول الأزهري السابق في حق الجمهرة محض تحامل ولو لم تكن بتلك المكانة لما اشتهرت هذا الاشتهار.
سيرته قال ابن النديم أقام بالبصرة ثم مضى إلى عمان فأقام بها مدة ثم صار إلى جزيرة ابن عمارة فسكنها مدة ثم صار إلى فارس فقطنها ثم صار إلى بغداد فنزلها.
وقال الخطيب في تاريخ بغداد بصري المولد ونشأ بعمان وتنقل في جزائر البحر والبصرة وفارس وطلب الأدب وعلم النحو واللغة وكان أبوه من الرؤساء وذوي اليسار وورد بغداد بعد أن أسن فأقام بها إلى آخر عمره. وفي معجم الأدباء بالبصرة تأدب وعلم اللغة وأشعار العرب وقرأ على علماء البصرة ثم صار إلى عمان فأقام بها مدة ثم صار إلى جزيرة ابن عمارة ثم صار إلى فارس فسكنها مدة ثم قدم بغداد فأقام بها إلى أن مات وقال ابن خلكان كانت ولادته بالبصرة ونشأ بها وتعلم فيها ثم انتقل عنها مع عمه الحسين عند ظهور الزنج وقتلهم الرياشي وسكن عمان وأقام بها اثنتي عشرة سنة ثم عاد إلى البصرة وسكنها زمانا ثم خرج إلى نواحي فارس وصحب ابني ميكال وكانا يومئذ على عمالة فارس وعمل لهما كتاب الجمهرة وقلداه ديوان فارس وكانت تصدر كتب فارس عن رأيه ولا ينفذ امر الا بعد توقيعه فأفاد معهما أموالا عظيمة وكان مفيدا مبيدا لا يمسك درهما سخاء وكراما ومدحهما بقصيدته المقصورة فوصلاه بعشرة آلاف درهم ثم انتقل من فارس إلى بغداد ودخلها سنة 308 بعد عزل ابني ميكال وانتقالهما إلى خراسان ولما وصل إلى بغداد أنزله علي بن محمد بن الخواري في جواره وأفضل عليه وعرف الامام المقتدر خبره ومكانه من العلم فامر ان يجري عليه خمسون دينارا في كل شهر ولم تزل جارية عليه إلى حين وفاته وعرض له في رأس التسعين من عمره فالج سقي له الترياق فبرئ منه وصح ورجع إلى أفضل أحواله ولم ينكر من نفسه شيئا ورجع إلى اسماع تلامذته واملائه عليهم ثم عاوده الفالج بعد حول لغذاء تناوله فكان يحرك يديه حركة ضعيفة وبطل من مجزمه إلى قدميه فكان إذا دخل عليه الداخل ضج وتألم لدخوله وإن لم يصل اليه قال تلميذه أبو علي إسماعيل ابن القاسم القالي فكنت أقول في نفسي ان الله عز وجل عاقبه بقوله في مقصورته حين ذكر الدهر:
مارست من لو هدت الأفلاك من * جوانب الجو عليه ما شكا وكان يصيح لذلك صياح من يمشي عليه أو يسل بالمسال والداخل