وقيل إنها مشتقة من النبوة هي المكان المرتفع عن الأرض، وهو أن يخص بضرب من الرفعة، فجعل سفيرا بين الله وبين خلقه، يعني بذلك وصفه بالشرف والرفعة.
ومن جعل النبوة من الأنباء التي هي الأخبار، لم يفرق بين النبوة والرسالة، ومعنى الرسول: فهو المرسل، معول على لفظ مفعل، وإرساله أمره إياه بإبلاغ الرسالة والوحي.
قال كاتبه: والنبي أصله بالعبرانية نبي - بضم النون وكسر الباء الموحدة ثم ياء آخر الحروف لا همز عليها - فلما عربت قيل: نبي بفتح النون، وهذا يؤيد أن ترك الهمز أشهر وأعرف، وفوق كل ذي علم عليم.
تنبيه وإرشاد إلى معنى النبوة - والله أعلم - وكيفية تلقي الأنبياء الوحي: إعلم أن الله سبحانه اصطفى من البشر أشخاصا فضلهم بخطابه، وفطرهم على معرفته، وجعلهم وسائل بينه وبين عباده، يعرفونهم مصالحهم ويحرصون على هدايتهم، ويأخذون بحجزاتهم عن النار، ويدلونهم على طرق النجاة، وكان مما يلقيه الله تعالى إليهم من المعارف، ويظهره على ألسنتهم من الخوارق، وقوع الكائنات المغيبة عن البشر التي لا سبيل إلى معرفتها إلا من الله بوساطتهم، ولا يعلمونها إلا بتعليم الله إياهم، قال صلى الله عليه وسلم: (ألا وإني لا أعلم إلا ما علمني الله).
واعلم أن خبرهم في ذلك من خاصته وضرورته الصدق، كما يتبين لك عند بيان حقيقة النبوة، وعلامة هذا الصنف من البشر أن يوجد لهم في حال الوحي غيبة عن الحاضرين، مع غطيط كأنها غشي أو إغماء وليست منها في شئ، إنما هي بالحقيقة استغراق في لقاء الملك الروحاني بإدراكهم المناسب لهم، الخارج عن مدارك البشر كلية. ثم يتنزل إلى المدارك البشرية إما سماع دوي من الكلام فيتفهمه، أو يتمثل له في صورة شخص يخاطبه بما جاء به من عند الله، ثم ينجلي عنه تلك الحال، وقد وعى ما ألقي عليه.
قال صلى الله عليه وسلم وقد سئل (1) عن الوحي: