وكذا قال هرقل في مسائلته أبا سفيان: كيف هو فيكم؟ فقال أبو سفيان:
هو فينا ذو حسب، قال هرقل: والرسل تبعث في أحساب قومها، ومعناه أن تكون له عصبية وشوكة تمنعه من أذى الكفار حتى يبلغ رسالات ربه، ويتم مراد الله من إكمال دينه وملته.
ومن علاماته أيضا وقوع الخوارق لهم شاهدة بصدقهم، وهي أفعال تعجز البشر عن مثلها، فسميت لذلك معجزة وليست من جنس مقدور العباد، وإنما تقع في غير محل قدرتهم، وللناس في كيفية وقوعها ودلالتها على تصديق الأنبياء خلاف ليس هذا موضع إيراده.
وأما حقيقة النبوة: فاعلم أنا نشاهد هذا العالم بما فيه من المخلوقات كلها على هيئة من الترتيب والأحكام، وربط الأسباب بالمسببات، واتصال الأكوان بالأكوان، واستحالة بعض الموجودات إلى بعض، لا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي غاياته، وأبدأ من ذلك بالعالم المحسوس الجسماني، وأولا: عالم العناصر المشاهد كيف تدرج صاعدا من الأرض إلى الماء، ثم إلى الهواء، ثم إلى النار متصلا بعضها ببعض، وكل واحد منها مستعد أن يستحيل إلى ما يليه صاعدا أو هابطا، ويستحيل بعض الأوقات، والصاعد منها الطف مما قبله إلى أن ينتهي إلى عالم الأفلاك وهي ألطف من الكل، وعلى طبقات اتصل بعضها ببعض على هيئة لا يدرك الحس منها إلا الحركات فقط، وما يهتدي بها بعضهم إلى معرفة مقاديرها وأوضاعها، وما بعد ذلك من وجود الذات التي لها هذه الآثار فيها. ثم انظر إلى عالم التكوين، كيف ابتدأ من المعادن ثم النبات ثم الحيوان على هيئة بديعة من التدريج [إلى] (1) آخر أفق المعادن، متصل بأول أفق النبات مثل الحشائش وما لا بذر له، وآخر أفق النبات مثل النخل والكرم، متصل بأول أفق الحيوان كالحلزون والصدف، ولم يوجد لهما إلا قوة اللمس فقط، ومعنى الاتصال في هذه المكونات إن آخر أفق منها مستعد بالاستعداد القريب لأن يصير أول أفق من الذي بعده، واتسع عالم الحيوان وتعددت أنواعه، وانتهى في تدرج التكوين إلى الإنسان صاحب الفكر، والرؤية ترتفع إليه