نعم، ولكن لا تدعيه يصل إليك، فقالت: يا رسول الله، ما به من حركة إلى!
والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. وإن لحيته لتقطر دموعا الليل والنهار ولقد ظهر البياض على عينيه حتى تخوفت أن يذهب بصره.
التوبة على الثلاثة وما نزل من القرآن فلما كملت خمسون ليلة - وهم كما قال الله تعالى: (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم) - أنزل الله توبتهم بقوله تعالى: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم * وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم * يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (1).
فأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك عند الصبح. فخرج أبو بكر رضي الله عنه فأوفي على سلع (2) فصاح: قد تاب الله على كعب بن مالك! يبشره. فأتاه حمزة بن عمرو فبشره، فنزع ثوبيه وكساهما إياه، ولا يملك غيرهما واستعار ثوبين من أبي قتادة فلبسهما، ثم انطلق إلى رسول الله والناس يهنئونه، وخرج أبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل إلى هلال يبشره فلما أخبره سجد ولقيه الناس يهنئونه، فما استطاع المشي - لما أصابه من الضعف والحزن والبكاء - حتى ركب حمارا. وبشر مرارة بن ربيع بن سلكان بن سلامة بن وقش، فأقبل حتى توافدوا عند النبي صلى الله عليه وسلم.
انخلاع كعب من ماله فقام طلحة بن عبيد الله يتلقى كعب بن مالك. فلما سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له - ووجهه يبرق من السرور -: أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك! فقال: أمن عندك يا رسول الله أو من عند الله؟ قال: من عند الله، وتلا .