ظماء الجيش بتبوك فلما انصرف من الصلاة قال: أما إنهم لو أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا. وذلك أنهما أرادا أن ينزلا بالجيش على الماء فأبوا ذلك عليهما (1)، فنزلوا على غير ماء بفلاة (2) من الأرض. فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلحق الجيش عند زوال الشمس - ونحن معه -، وقد كادت تقطع أعناق الرجال والخيل والركاب عطشا.
آيات النبوة في الماء بتبوك فدعا بالركوة فأفرغ ما في الإداوة فيها، فوضع أصابعه عليها فنبع الماء من بين أصابعه، وأقبل الناس فاستقوا، وفاض الماء حتى ترووا وأرووا خيلهم وركابهم، وإن كان في العسكر اثنا عشر ألف بعير - ويقال خمسة عشر الفل بعير - والناس ثلاثون ألفا، والخيل عشرة آلاف فرس: وذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي قتادة احتفظ بالركوة والإداوة.
وكان في تبوك أربعة أشياء (3): فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير منحدرا إلى المدينة - وهو في قيظ شديد - عطش العسكر بعد المرتين الأوليين عطشا شديدا، حتى لا يوجد للشفة ماء قليل ولا كثير، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل أسيد بن حضير - في يوم صائف وهو متلثم - فقال: عسى أن تجد لنا ماء! فخرج أسيد - وهو فيما بين الحجر وتبوك - فجعل يضرب في كل وجه، فيجد راوية من ماء مع امرأة من بلي، فكلمها وخبرها خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: هذا الماء، فانطلق به، فدعا فيه صلى الله عليه وسلم بالبركة، ثم قال: هلموا (4) أسقيتكم! فلم يبق معهم سقاء إلا ملأوه، ثم دعا بركابهم وخيولهم فسقوها حتى نهلت. ويقال إنه صلى الله عليه وسلم أمر بما (5) جاء به أسيد فصبه (6) في قعب عظيم من عساس (7) أهل البادية، فأدخل فيه يديه وغسل وجهه ويديه ورجليه، ثم صلى ركعتين، ثم رفع يديه مدا، .