إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، فقلت: يا رسول الله! ما أكثر ما تقول هؤلاء الكلمات إذا قمت! قال: لا يقولهن أحد حين يقوم من مجلسه إلا غفر له ما كان في ذلك المجلس. وفي لفظ له: قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من مجلس يكثر أن يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وساق الحديث بنحوه.
فصل في ذكر زهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا وإعراضه عنها وصبره على القوت الشديد فيها واقتناعه باليسير منها وأنه كان لا يدخر إلا قوت أهله، وصفة عيشه، وأنه اختار الله والدار الآخرة قال الله جل جلاله: (ولا تمدن عينك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيها ورزق ربك خير وأبقى) (1).
وأما زهده في الدنيا وإعراضه (2) عنها فقد (3) روي أنه عليه السلام خير بين أن يكون عبدا نبيا وبين أن يكون ملكا نبيا، فاستشار فيه جبريل عليه السلام فأشار عليه بأن يتواضع، فاختار أن يكون عبدا نبيا.
وخرج يعقوب بن سفيان الفسوي، من حديث بقية بن الوليد، عن الزبيدي عن الزهري، عن محمد بن عبد الله بن عباس قال: كان ابن عباس رضي الله عنه يتحدث أن الله عز وجل أرسل إلى نبيه ملكا من الملائكة معه جبريل عليه السلام، فقال الملك لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا، وبين أن تكون ملكا نبيا، فالتفت نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل عليه السلام كالمستشير له، فأشار جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تواضع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أكون عبدا نبيا، قال:
فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا حتى لقي ربه عز وجل (4).