من تبوك في أربعمائة وعشرين فارسا - إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل في رجب، وهي على ليال من المدينة، وكان أكيدر من كندة قد ملكهم، وكان نصرانيا. فقال خالد: يا رسول الله: كيف لي به وهو وسط بلاد كلب، وإنما أنا في أناس يسير؟ فقال ستجده يصيد البقر فتأخذه! وقال: فلا تقتله وات (1) به إلي، فإن أبى فاقتلوه! فخرج خالد، حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين، وفي ليلة مقمرة صائفة، وهو على سطح له من الحر، ومعه امرأته - الرباب بنت أنيف بن عامر - وقينته تغنيه وقد شرب، فأقبلت البقر تحك بقرونها باب الحصن:
فأشرفت امرأته فرات البقر فقالت: من يترك هذا؟! قال: لا أحد!!
قال أكيدر: والله ما رأيت جاءتنا ليلا بقر غير تلك الليلة! ولقد كنت أضمر لها الخيل - إذا أردت أخذها - شهرا أو أكثر، ثم اركب بالرجال وبالآلة.
فنزل فأمر بفرسه فسرج، وأمر بخيل فأسرجت، وركب معه نفر من أهل بيته معه: أخوه حسان مملو كان له. فخرجوا من حصنهم بمطاردهم (2) وخيل خالد تنتظرهم: لا يصهل منها فرس ولا يتحرك، فساعة فصل (3) أخذته الخيل.
وقاتل حسان حتى قتل عند باب الحصن: وهرب المملوكان ومن كان معهما.
واستلب خالد بن الوليد حسانا قباء ديباج مخوصا بذهب، فبعث [به] (4) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عمرو بن أمية الضمري، فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه، فقال عليه السلام: تعجبون من هذا! والذي نفسي بيده، لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا!! وأسلم حريث [بن عبد الملك، أخو] (5) أكيدر، على ما في يده فسلم له.
فتح الحصن وقال خالد لأكيدر: هل لك أن أجيرك من القتل حتى آتي رسول الله على أن تفتح لي دومة؟ قال: نعم! فانطلق به في وثاق حتى أدناه من الحصن فنادى .