الذي تولى أذاه ثم بعقبه مرض سيف الدين واستمر إلى أن مات وعمره حينئذ نحو ثلاثين سنة وكانت ولايته عشر سنين وثلاثة أشهر وكان حسن الصورة مليح الشباب تام القامة أبيض اللون وكان عاقلا وقورا قليل الالتفات إذا ركب وإذا جلس عفيفا لم يذكر عنه ما ينافي العفة.
وكان غيورا شديد الغيرة لا يدخل دوره غير الخدم الصغار فإذا كبر أحدهم منعه وكان لا يحب سفك الدماء ولا أخذ الأموات على شح فيه وجبن ولما اشتد مرضه أراد أن يعهد بالملك لابنه معز الدين سنجر شاه وكان عمره حينئذ اثنتي عشر سنة فخاف على الدولة من ذلك لأن صلاح الدين يوسف بن أيوب كان قد تمكن بالشام وقوى أمره وامتنع اخوه عز الدين مسعود بن مودود من الإذعان لذلك والإجابة إليه فأشار الأمراء الأكابر ومجاهد الدين قايماز بأن يجعل الملك بعده في عز الدين أخيه لما هو عليه من كبر السن والشجاعة والعقل وقوة النفس وأن يعطي ابنيه بعض البلاد ويكون مرجعهما إلى عز الدين عمهما والمتولي لأمرهما مجاهد الدين قايماز ففعل ذلك وجعل الملك في أخيه وأعطى جزيرة ابن عمر وقلاعها لولده سنجر شاه وقلعة عقر الحميدية لولده الصغير ناصر الدين كسك.
فلما توفي سيف الدين ملك بعده الموصل والبلاد أخوه عز الدين وكان المدبر للدولة مجاهد الدين وهو الحاكم في الجميع واستقرت الأمور ولم يختلف اثنان.