قطعا لدخول العدد الأكثر في الكل، ولا كذلك إذا حمل على الأكثر، فإنه لا يكون الاجماع مقطوعا به لاحتمال إرادة الكل والأكثر ليس هو الكل.
الثاني أنه قد جرى مثل ذلك في زمن الصحابة، ولم ينكر أحد منهم على خلاف الواحد، بل سوغوا له الاجتهاد فيما ذهب إليه مع مخالفة الأكثر. ولو كان إجماع الأكثر حجة ملزمة للغير الاخذ به، لما كان كذلك. فمن ذلك اتفاق أكثر الصحابة على امتناع قتال ما نعي الزكاة مع خلاف أبي بكر لهم. وكذلك خلاف أكثر الصحابة لما انفرد به ابن عباس في مسألة العول وتحليل المتعة وأنه لا ربا إلا في النسيئة. وكذلك خلافهم لابن مسعود فيما انفرد به في مسائل الفرائض، ولزيد بن أرقم في مسألة العينة، ولأبي موسى في قوله: النوم لا ينقض الوضوء، ولأبي طلحة في قوله بأن أكل البرد لا يفطر، إلى غير ذلك.
ولو كان إجماع الأكثر حجة، لبادروا بالانكار والتخطئة، وما وجد منهم من الانكار في هذه الصور لم يكن إنكار تخطئة بل إنكار مناظرة في المأخذ، كما جرت عادة المجتهدين بعضهم مع بعض. ولذلك بقي الخلاف الذي ذهب إليه الأقلون جائزا إلى وقتنا هذا. وربما كان ما ذهب إليه الأقل هو المعول عليه الآن، كقتال مانعي الزكاة. ولو كان ذلك مخالفا للاجماع المقطوع به، لما كان ذلك سائغا.
وقد تمسك بعضهم هاهنا بطريقة أخرى، فقال إنه لو انعقد إجماع الأكثر مع مخالفة الأقل، فإما أن ينعقد الاجماع عليه، فيلزم منه ترك ما علمه بالدليل والرجوع إلى التقليد، وذلك في حق المجتهد ممتنع، وإن لم ينعقد الاجماع عليه، فلا يكون الاجماع حجة مقطوعا بها فإنه لو كان مقطوعا به لما ساغت مخالفته بالاجتهاد.
ولقائل أن يقول: إذا فرضنا أن انعقاد الاجماع من الأكثر دون الأقل حجة قاطعة، فالقول برجوع المجتهد الواحد إليه. وإن كان على خلاف ما أوجبه اجتهاده، لا يكون منكرا لما فيه من ترك الاجتهاد بالرجوع إلى الاجماع القاطع.
ولهذا، فإنه لو أجمعت الأمة على حكم، ثم جاء من بعدهم مجتهد يرى في اجتهاده ما يخالف إجماع الأمة السابقة، لم يجز له الحكم به، بل وجب عليه الرجوع إلى الأمة.