وإن كان الثاني، فلا يكون إجماع من بعدهم حجة. وإجماع الموجودين في زمن الوحي ليس بحجة في زمن الوحي بالاجماع، وإنما يكون حجة بعد النبي عليه السلام. وذلك يتوقف على بقاء كل من كان من المخاطبين بذلك في زمن النبي بعد النبي، وأن يعرف مقاله كل واحد فيما ذهب إليه، وهو متعذر جدا.
والجواب عن السؤال الأول أن وصف أمة محمد بالعدالة إنما كان في معرض الامتنان والانعام عليهم، وتعظيم شأنهم. وذلك إما أن يكون في الدنيا أو في الأخرى، أو فيهما، لا جائز أن يكون في الأخرى لا غير، لوجهين:
الأول أن جميع الأمم عدول يوم القيامة، بل معصومون عن الخطأ، لاستحالة ذلك منهم، وفيه إبطال فائدة التخصيص.
الثاني لو كان كذلك لقال: سنجعلكم عدولا، لا أن يقول جعلناكم.
وإن كان القسم الثاني والثالث، فهو المطلوب.
وعن الثاني من وجهين:
الأول أنه يجب اعتقاد العموم في قبول الشهادة نفيا للاجمال عن الكلام.
الثاني إن الاحتجاج ليس في قوله: * (لتكونوا شهداء على الناس) * (2) البقرة: 143) بل في وصفهم بالعدالة، ومهما كانوا عدولا، وجب قبول قولهم في كل شئ، وبه يخرج الجواب عن السؤال الثالث.
وأما الرابع: فجوابه أن الآية تدل على وصف جملة الأمة بالعدالة، ومقتضى ذلك عدالتهم فيما يقولونه جملة، وآحادا، غير أنا خالفناه في بعض الآحاد، فتبقى الآية حجة في عدالتهم فيما يقولونه جملة، وهو المطلوب.