قولهم: إنها أمة من الأمم، فلا يكون إجماعهم حجة كغيرهم من الأمم، فقد ذهب أبو إسحاق الأسفرايني وغيره من أصحابنا، وجماعة من العلماء إلى أن إجماع علماء من تقدم من الملل أيضا حجة قبل النسخ. وإن سلمنا أنه ليس بحجة فلانه لم يرد في حقهم من الدلالة الدالة على الاحتجاج بإجماعهم ما ورد في علماء هذه الأمة، فافترقا، وأما الحجة الأخيرة، فلا نسلم أنه إذا كان الحكم ثبت بالدليل لا يجوز إثباته بالاجماع.
وأما التوحيد: فنسلم أن الاجماع فيه ليس بحجة، وإن سلمنا أنه لا يكون حجة فيه، بل في الأحكام الشرعية لا غير، غير أن الفرق بينهما أن التوحيد لا يجوز فيه تقليد العامي للعالم، وإنما يرجع إلى أدلة يشترك فيها الكل، وهي أدلة العقل، بخلاف الأحكام الشرعية، فإنه يجب على العامي الاخذ بقول العالم فيها. وإذا جاز أو وجب الاخذ بقول الواحد، كان الاخذ بقول الجماعة أولى.
الآية الثانية قوله تعالى: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا) * (2) البقرة: 143) وصف الأمة بكونهم وسطا، والوسط هو العدل.
ويدل عليه النص واللغة. أما النص فقوله تعالى: * (قال أوسطهم ألم أقل لكم) * (68) القلم: 28) أعدلهم، وقال عليه السلام، خير الأمور أوساطها.
وأما اللغة فقول الشاعر:
هم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم أي عدول.