سلمنا أن المراد به متابعتهم فيما أجمعوا عليه من الأحكام الشرعية لكنه مشروط بسابقة تبين الهدى، بدليل قوله تعالى: * (من بعد ما تبين له الهدي) * والهدى مذكور بالألف واللام المستغرقة، فيدخل فيه كل هدى، حتى إجماعهم على الحكم الشرعي، وإنما يتبين الهدى بدليله، وإذا كان الاجماع من جملة الهدى، فلا بد من تقدم بيانه بدليله. ودليل كون الاجماع هدى لا يكون هو نفس الاجماع بل هو غيره.
وعند ذلك فظهور ذلك الدليل كاف في اتباعه عن اتباع الاجماع.
سلمنا وجوب اتباع سبيل المؤمنين مطلقا، لكن المراد بالمؤمنين الأئمة المعصومون، لان سبيلهم لا يكون إلا حقا، أو المؤمنين إذا كان فيهم الامام المعصوم، لان سبيلهم سبيله، وسبيل المعصوم لا يكون إلا حقا. فكان واجب الاتباع. والثاني ممنوع.
سلمنا وجوب اتباع سبيل المؤمنين، وإن لم يكن فيهم الامام المعصوم، ولكن إذا علم كونهم مؤمنين، والايمان هو التصديق، وهو باطن لا سبيل إلى معرفته. وإذا لم يعلم كونهم مؤمنين، فالاتباع لا يكون واجبا لفوات شرطه.
سلمنا دلالة ما ذكرتموه على كون الاجماع حجة، ولكنه معارض بالكتاب والسنة والمعقول.
أما الكتاب، فقوله تعالى: * (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ) * (16) النحل: 89) وذلك يدل على عدم الحاجة إلى الاجماع،.
وقوله تعالى: * (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) * (4) النساء: 59) اقتصر على الكتاب والسنة. وذلك يدل على عدم الحاجة إلى الاجماع.
وقوله تعالى: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * (2) البقرة: 188) وقوله: * (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * (2) البقرة: 169) نهى كل الأمة عن هاتين المعصيتين، وذلك يدل على تصورهما منهم، ومن تتصور منه المعصية لا يكون قوله ولا فعله موجبا للقطع.
وأما السنة، فهو أن النبي عليه السلام أقر معاذا لما سأله عن الأدلة المعمول بها، على إهماله لذكر الاجماع، ولو كان الاجماع دليلا، لما ساغ ذلك مع الحاجة إليه.
وأيضا فإنه قد ورد عن النبي عليه السلام ما يدل على جواز خلو العصر عمن تقوم الحجة بقوله. عليه السلام: بدئ الاسلام غريبا، وسيعود كما بدأ