وإذا قيل: فلان سلك سبيل التجار، فهم منه أنه يفعل أفعالهم، ويتزيا بزيهم، ويتخلق بأخلاقهم، ويجر على عاداتهم.
وعلى هذا، فيمتنع تخصيص السبيل المتوعد على اتباعه إذا كان غير سبيل المؤمنين بشئ معين من كفر أو غيره، بل يعم ذلك ما كان مخالفا لطريق الأمة وسبيلهم.
كيف وإنا لو لم نعتقد ذلك لزم منه أن يكون لفظ (السبيل) مبهما، وهو خلاف الأصل على ما سبق.
قولهم إنه إنما يدل على عدم التوعد على متابعة سبيل المؤمنين بمفهومه، قلنا إذا سلم أنه يحرم اتباع كل سبيل سوى سبيل المؤمنين، فلا نريد بكون الاجماع حجة سوى هذا.
وقولهم: المراد من (سبيل المؤمنين) كل من آمن به إلى يوم القيامة، لا يصح لوجهين:
الأول أن الأصل تنزيل اللفظ على حقيقته. ولفظ (المؤمنين) حقيقة، يكون لمن هو متصف بالايمان، والاتصاف بالايمان مشروط بالوجود والحياة، ومن لا حياة له ممن مات أو لم يوجد بعد، لا يكون مؤمنا حقيقة. فلفظ (المؤمنين) حقيقة إنما يصدق على أهل كل عصر دون من تقدم أو تأخر. وهذا وإن منع من الاحتجاج، بإجماع أهل العصر على من بعدهم، فلا يمنع من الاحتجاج به على من في عصرهم، وهو خلاف مذهب الخصوم.
الثاني أن المقصود من الآية إنما هو الزجر عن مخالفة المؤمنين والحث على متابعتهم، وذلك غير متصور عند حمل المؤمنين على كل من آمن إلى يوم القيامة، إذ لا زجر ولا حث في يوم القيامة.
قولهم: الآية وإن دلت على وجوب اتباع سبيل المؤمنين في أي عصر كان، غير أنها عامة في العالم، والجاهل، والجاهل غير مراد بالاتفاق. ولا نسلم ذلك