معصية على سبيل الرد عليه، لان من صدق النبي عليه السلام، وفعل بعض المعاصي، لا يقال إنه مشاق للرسول. ومن كذب النبي عليه السلام لا يصح أن يعلم صحة الاجماع بالسمع، ومن لا يصح عليه ذلك لا يصح أن يكون مأمورا باتباعه في تلك الحال، وهو غير سديد.
فإن لقائل أن يقول: وإن سلمنا أن المفهوم من المشاقة للنبي تكذيبه، وأن من كذب النبي لا يعلم بالسمع صحة الاجماع، ولكن القول بأنه لا يكون مأمورا باتباع الاجماع مبني على أن الكفار غير مخاطبين بفروع الاسلام، وهو باطل بما سبق تقريره.
وقيل في جوابه أيضا إن الوعيد إذا علق على أمرين اقتضى ذلك التوعد بكل واحد من الامرين جملة وإفرادا. ويدل عليه قوله تعالى: * (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون. ومن يفعل ذلك يلق آثاما) * (25) الفرقان: 68) فإنه يقتضي لحوق المأثم بكل واحد من هذه الأمور جملة، وبكل واحد على انفراده.
ولقائل أن يقول: لا نسلم ثبوت الاثم في كل واحد من هذه الأمور على انفراده بهذه الآية، وإنما كان ذلك مستفادا من الأدلة الخاصة الدالة على لزوم المأثم بكل واحد من هذه الأمور بخصوصه. ولهذا، فإنه لما لم يدل الدليل الخاص على مضاعفة العذاب بكل واحد من هذه الأمور، لم تكن الآية مقتضية لتضاعف العذاب على كل واحد بتقدير الانفراد إجماعا، ولو كانت مقتضية لذلك، لكان نفي المتضاعف بقوله: * (يضاعف له العذاب يوم القيامة، ويخلد فيه مهانا) * (25) الفرقان: 69) على خلاف الدليل. ولهذا، فإنه لو قال لزوجته: إن كلمت زيدا وعمرا، أو إن كلمت زيدا، ودخلت الدار، فأنت طالق فإنه لا يقع الطلاق بوجود أحد الامرين، ولولا أن الحكم المعلق على أمرين، على العدم عند عدم أحدهما، لكان انتفاء الحكم في هذه الصورة، على خلاف الدليل، وهو ممتنع، والأقرب في ذلك أن يقال: لا خلاف في التوعد على اتباع غير سبيل المؤمنين