فإن قيل: لا خفاء بأن تعليق الامر على شرط معلوم الوقوع، وسواء كان وقوعه حاليا، كما إذا قال: صم إن كان الله موجودا، أو ماليا، كما إذا قال: صم إن صعدت الشمس غدا.
أو معلوم الانتفاء، كما إذا قال: صم إن اجتمع الضدان، وهو محال بل الأول أمر جازم غير مشروط.
كيف وإنه يمتنع تعليق الامر بشرط مستقبل، لان الشرط لا بد وأن يكون حاصلا مع المشروط أو قبله. والثاني، وإن كان فيه صيغة افعل، فليس بأمر لما فيه من التكليف بما لا يطاق، والباري تعالى عالم بعواقب الأمور. فإن كان عالما بتمكن العبد مما كلف به، وأنه سيأتي به فهو أمر جزم لا شرط فيه، وإن كان عالما بعدم تمكنه مما قيل له افعله، أو لا تفعله، فلا يكون ذلك أمرا ولا نهيا. وإذا كان كذلك، فالامر والنهي قبل التمكن من الامتثال لا يكون معلوما للعبد، لتجويزه عدم الشرط، وهو التمكن في علم الله تعالى.
وعلى هذا، فيجب حمل الاجماع فيما ذكرتموه على ظن الامر، بناء على أن الغالب من المكلف بقاؤه وتمكنه، لا على يقين الامر والعلم به.
قلنا: أما امتناع تعليق الامر بشرط معلوم الوقوع أو الانتفاء عند المأمور، فلا نزاع فيه إلا على رأي من يجوز تكليف ما لا يطاق، وإنما النزاع إذا كان ذلك معلوما للآمر دون المأمور. فإنه لا يبعد أمر السيد لعبده بفعل شئ في الغد، مع علمه برفع ذلك في الغد عنه، استصلاحا للعبد باستعداده في الحال للقيام بأمر سيده، واشتغاله بذلك عن معاصيه، أو امتحانه بما يظهر عليه من أمارات البشر والكراهة، حتى يثيبه على هذا، ويعاقبه على هذا، لا لقصد الاتيان بما أمره به، أم الانتهاء عما نهاه عنه. ولا يكون ذلك من باب التكليف بما لا يطاق. وإذا كان ذلك معقولا مفيدا، أمكن مثله في أمر الباري تعالى.
قولهم إن شرط الامر لا يكون متأخرا عنه، مسلم، لما فيه من استحالة وجود المشروط بدون شرطه، غير أن الشرط المتأخر عن الامر، وهو التمكن من الفعل،