والحق ما ذكره القاضي، لأنه لا سمع قبل البعثة يدل على عصمتهم عن ذلك والعقل دلالته مبنية على التحسين والتقبيح العقلي، ووجوب رعاية الحكمة في أفعال الله تعالى، وذلك كله مما أبطلناه في كتبنا الكلامية.
وأما بعد النبوة، فالاتفاق من أهل الشرائع قاطبة على عصمتهم عن تعمد كل ما يخل بصدقهم فيما دلت المعجزة القاطعة على صدقهم فيه من دعوى الرسالة والتبليغ عن الله تعالى.
واختلفوا في جواز ذلك عليهم بطريق الغلط والنسيان، فمنع منه الأستاذ أبو إسحاق وكثير من الأئمة، لما فيه من مناقضة دلالة المعجزة القاطعة. وجوزه القاضي أبو بكر، مصيرا منه إلى أن ما كان من النسيان وفلتات اللسان غير داخل تحت التصديق المقصود بالمعجزة، وهو الأشبه.
وأما ما كان من المعاصي القولية والفعلية التي لا دلالة للمعجزة على عصمتهم عنها، فما كان منها كفرا فلا نعرف خلافا بين أرباب الشرائع في عصمتهم عنه، إلا ما نقل عن الأزارقة من الخوارج أنهم قالوا بجواز بعثة نبي علم الله أنه يكفر بعد نبوته، وما نقل عن الفضلية من الخوارج أنهم قضوا بأن كل ذنب يوجد فهو كفر، مع تجويزهم صدور الذنوب عن الأنبياء. فكانت كفرا.
وأما ما ليس بكفر، فإما أن يكون من الكبائر، أو ليس منها. فإن كان من الكبائر، فقد اتفقت الأمة، سوى الحشوية ومن جوز الكفر على الأنبياء، على عصمتهم عن تعمده من غير نسيان ولا تأويل، وإن اختلفوا في أن مدرك العصمة السمع، كما ذهب إليه القاضي أبو بكر والمحققون من أصحابنا، أو العقل، كما ذهب إليه المعتزلة.
وأما إن كان فعل الكبيرة عن نسيان أو تأويل خطأ، فقد اتفق الكل على جوازه، سوى الرافضة.