ومن جهة أخرى إنا لو قلنا إن النهي عن الشئ أمر بضده وان كان ذا أضداد كثيرة لأدى ذلك إلى إسقاط قسم المباح والمندوب إليه من أقسام الأفعال وقد علمنا أن أفعال المكلف إذا كانت واقعة عن قصد وإرادة ولم تكن واقعة على وجه السهو تنقسم أقساما أربعة واجب ومحظور ومندوب إليه ومباح فلو كان النهي عن الزنا أمرا بسائر أضداد الزنا لوجب ان يكون المشي إلى السوق وصلا التطوع وصوم النفل والطواف بالبيت وكل ما يضاد الزنا من هذه الأفعال مأمورا به واجبا وقد علمنا أن كل فعل مندوب إليه أو مباح فإنه يضاد فعل المحظور بتلك الجارحة ومعلوم أن من أمكنه فعل المباح أو المندوب إليه فهو يمكنه فعل أضداده من المحظورات فإذا ترك أضداده من المحظورات بفعل المباح أو المندوب فواجب على قضية من حكينا قوله أن كل ما يضاد ذلك مأمور به فيكون هذا مؤديا إلى أن لا يكون في الشرع فعل مباح ولا مندوب إليه وهذا فاسد لان المسلمين قد عقلوا ان في الشريعة مباحا ومندوبا إليه مرغبا فيه ليس بواجب فصح بطلان كل قول يؤدي إلى دفع ذلك فإن قال قائل هلا قلت إن النهي عن الشئ أمر بضده فإن كان له أضداد كثيرة كان أمرا بواحد من أضداده وهو الذي يتفق فعله في وقته مما ينافي فعل المنهى عنه فلا يكون مأمورا بفعل جميع أضداده إلا على وجه التخيير كما يقول في كفارة اليمين ان الواجب منها أحد ثلاثة أشياء على وجه التخيير
(١٦٤)