والجعل فقد أبرز حكما واحدا، غاية الأمر أن ذلك الحكم الواحد يتعدد بتعدد أفراد متعلقه وينحل بانحلاله، بل ربما ينحل إلى أحكام غير متناهية من ناحية عدم تناهي أفراد متعلقه، ولكن هذا الانحلال إنما هو في مرحلة الفعلية لا في مرحلة الجعل والابراز، وعلى ضوء ذلك فالقضية الشرطية في أمثال هذه الموارد لا تدل الا على انتفاء الحكم الساري عن الطبيعة كذلك عند انتفاء شرطه حيث إن منطوقها ثبوت هذا الحكم لها كذلك، ومن الطبيعي أنه يتحقق بانتفائه عن بعض الافراد ولا يتوقف تحققه على انتفائه عن جميع الافراد، ضرورة ان النفي المتوجه إلى الحكم الساري المطلق بسريان أفراد متعلقه مسلوق للموجبة الجزئية ولا فرق في ذلك بين أن يكون السريان والاطلاق مدلولا وضعيا للفظ أو مدلولا لقرينة الحكمة، فإنه على كلا التقديرين يكون المعلق على الشرط هو الاطلاق والسريان، وعليه فبطبيعة الحال تدل القضية على انتفائه بانتفاء الشرط، ومن المعلوم ان ذلك مساوق للقضية الجزئية.
ولنأخذ لتوضيح ذلك بعدة أمثلة: الأول كقولنا (إذا ليس زيد لامة حربه لم يخف أحدا) فإنه لا اشكال في أن المتفاهم العرفي منها هو تحقق الخوف له في الجملة عند انتفاء الشرط وهو مساوق للموجبة الجزئية بداهة ان مفهومها ليس تحقق الخوف له من كل أحد حتى من الجبناء. الثاني كقولنا (إذا غضب الأمير لم يحترم أحدا) فإنه لا يدل على أنه يحترم كل أحد عند انتفاء غضبه ولو كان عدوا له بل يدل على ذلك في الجملة وهو مساوق للقضية الجزئية. الثالث كقولنا (إذا جد زيد في درسه فلا يفوقه أحد) فان مفهومه عرفا هو انه إذا لم يجد في درسه فسوف يفوقه أحد لا ان مفهومه هو انه إذا لم يجد في درسه يفوقه كل أحد.
وعليه فلا يكون مفهوم قولهم (ع) إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه