عن انحلاله كما عرفت آنفا ولا سيما فيما إذا كان مرددا بين الأقل والأكثر كما هو كذلك في المثال، فإنه ينحل لا محالة بالظفر بالمقدار المتيقن.
وعليه فوجوب الفحص عن الزائد على هذا المقدار يحتاج إلى دليل آخر يدل عليه بعد عدم الاطمئنان باشتمال الدفتر على الزائد عنه.
ومن هنا لو لم يتمكن من الرجوع إلى الدفتر لضياعه أو نحو ذلك لم يجب عليه الاحتياط جزما بأداء ما يقطع معه بفراغ الذمة واقعا، بل يرجع إلى أصالة البراءة بالإضافة إلى الزائد على المقدار المعلوم والمتيقن، لفرض الشك في اشتغال الذمة به، وهذا دليل على أن العلم الاجمالي المزبور لا يكون منجزا للواقع على ما هو عليه.
ثم إن شيخنا الأستاذ (قده) بين وجها آخر لوجوب الفحص وحاصله هو أن حجية أصالة العموم إنما هي لكشفها عن مراد المتكلم في الواقع وهو متقوم بجريان مقدمات الحكمة في مدخوله التي تكشف عن عدم دخل قيد ما في مراده نظرا إلى أن أدات العموم إنما وضعت للدلالة على عموم ما يراد من مدخولها ولا تكون متكفلة لبيان ان المراد من مدخولها هو الطبيعة المطلقة دون المقيدة، فان اثبات ذلك يتوقف على جريان مقدمات الحكمة كما تقدم ذلك في ضمن البحوث السالفة موسعا.
هذا من ناحية: ومن ناحية أخرى حيث اننا قد علمنا بعد مراجعة الأدلة الشرعية ان طريقة الشارع قد استقرت على ابراز مراداته وبيان مقاصده من ألفاظه الصادرة منه في هذا المقام بالقرائن المنفصلة حتى قبل أنه لم يوجد عام في الكتاب والسنة إلا وقد ورد عليه تخصيص منفصل عنه لا يكون للعمومات الواردة فيهما ظهور تصديقي كاشف عن المراد قبل الفحص عن مخصصاتها.
ومن الطبيعي أن ما لم يكن لها هذا الظهور يعني الظهور التصديقي