وهذا الدليل قطعي لا يداخله الشك، لأ أنه مركب من مقدمتين قطعيتين:
1 - ثبوت بناء العقلاء على الاعتماد على خبر الثقة والأخذ به.
2 - كشف هذا البناء منهم عن موافقة الشارع لهم واشتراكه معهم، لأ أنه متحد المسلك معهم.
قال شيخنا النائيني (قدس سره) كما في تقريرات تلميذه الكاظمي (قدس سره) (ج 3 ص 69): وأما طريقة العقلاء فهي عمدة أدلة الباب بحيث لو فرض أنه كان سبيل إلى المناقشة في بقية الأدلة فلا سبيل إلى المناقشة في الطريقة العقلائية القائمة على الاعتماد على خبر الثقة والاتكال عليه في محاوراتهم (1).
وأقصى ما قيل في الشك في هذا الاستدلال هو: إن الشارع لئن كان متحد المسلك مع العقلاء فإنما يستكشف موافقته لهم ورضاه بطريقتهم إذا لم يثبت الردع منه عنها. ويكفي في الردع الآيات الناهية عن اتباع الظن وما وراء العلم التي ذكرناها سابقا في البحث السادس من المقدمة (2) لأ نهى بعمومها تشمل خبر الواحد غير المفيد للعلم.
وقد عالجنا هذا الأمر فيما يتعلق بشمول هذه الآيات الناهية للاستصحاب في الجزء الرابع (مبحث الاستصحاب) فقلنا: إن هذه الآيات غير صالحة للردع عن الاستصحاب الذي جرت سيرة العقلاء على الأخذ به، لأن المقصود من النهي عن اتباع غير العلم النهي عنه إذ يراد به إثبات الواقع، كقوله تعالى: * (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) * (3) بينما أنه ليس المقصود من الاستصحاب إثبات الواقع والحق، بل هو أصل وقاعدة