وكذلك أخذهم بظواهر الكلام وظواهر الأفعال، فإن بناءهم العملي على إلغاء الاحتمالات الضعيفة المقابلة. وذلك من كل ملة ونحلة.
وعلى هذه السيرة العملية قامت معايش الناس وانتظمت حياة البشر، ولولاها لاختل نظامهم الاجتماعي ولسادهم الهرج والمرج (1) لقلة ما يوجب العلم القطعي من الأخبار المتعارفة سندا ومتنا.
والمسلمون بالخصوص كسائر الناس جرت سيرتهم العملية على مثل ذلك في استفادة الأحكام الشرعية من القديم إلى يوم الناس هذا، لأ نهم متحدوا المسلك والطريقة مع سائر البشر، كما جرت سيرتهم بما هم عقلاء على ذلك في غير الأحكام الشرعية.
ألا ترى هل كان يتوقف المسلمون من أخذ أحكامهم الدينية من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) الموثوقين عندهم؟
وهل ترى هل يتوقف المقلدون اليوم وقبل اليوم في العمل بما يخبرهم الثقات عن رأي المجتهد الذي يرجعون إليه؟
وهل ترى تتوقف الزوجة في العمل بما يحكيه لها زوجها الذي تطمئن إلى خبره عن رأي المجتهد في المسائل التي تخصها كالحيض مثلا؟
وإذا ثبتت سيرة العقلاء من الناس بما فيهم المسلمون على الأخذ بخبر الواحد الثقة، فإن الشارع المقدس متحد المسلك معهم، لأ أنه منهم، بل هو رئيسهم، فلابد أن نعلم بأنه متخذ لهذه الطريقة العقلائية كسائر الناس ما دام أنه لم يثبت لنا أن له في تبليغ الأحكام طريقا خاصا مخترعا منه غير طريق العقلاء. ولو كان له طريق خاص قد اخترعه غير مسلك العقلاء لأذاعه وبينه للناس ولظهر واشتهر، ولما جرت سيرة المسلمين على طبق سيرة باقي البشر.