أما الإمامية فقد جعلوه أيضا أحد الأدلة على الحكم الشرعي، ولكن من ناحية شكلية واسمية فقط، مجاراة للنهج الدراسي في أصول الفقه عند السنيين، أي أنهم لا يعتبرونه دليلا مستقلا في مقابل الكتاب والسنة، بل إنما يعتبرونه إذا كان كاشفا عن السنة، أي عن قول المعصوم. فالحجية والعصمة ليستا للإجماع، بل الحجة في الحقيقة هو قول المعصوم الذي يكشف عنه الإجماع عندما تكون له أهلية هذا الكشف.
ولذا توسع الإمامية في إطلاق كلمة " الإجماع " على اتفاق جماعة قليلة لا يسمى اتفاقهم في الاصطلاح إجماعا، باعتبار أن اتفاقهم يكشف كشفا قطعيا عن قول المعصوم، فيكون له حكم الإجماع، بينما لا يعتبرون الإجماع الذي لا يكشف عن قول المعصوم وإن سمي إجماعا بالاصطلاح. وهذه نقطة خلاف جوهرية في الإجماع، ينبغي أن نجليها ونلتمس الحق فيها، فإن لها كل الأثر في تقييم الإجماع من جهة حجيته.
ولأجل أن نتوصل إلى الغرض المقصود لابد من توجيه بعض الأسئلة لأنفسنا لنلتمس الجواب عليها.
أولا: من أين انبثق للأصوليين القول بالإجماع، فجعلوه حجة ودليلا مستقلا على الحكم الشرعي في مقابل الكتاب والسنة؟
ثانيا: هل المعتبر عند من يقول بالإجماع اتفاق جميع الأمة، أو اتفاق جميع العلماء في عصر من العصور، أو بعض منهم يعتد به؟ ومن هم الذين يعتد بأقوالهم؟
أما السؤال الأول:
فإن الذي يثيره في النفس ويجعلها في موضع الشك فيه أن إجماع الناس جميعا على شئ أو إجماع أمة من الأمم بما هو إجماع واتفاق